للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ١٥ الى ٣٣]

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩)

فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤)

فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩)

وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣)

قوله عزّ وجلّ: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى أي: قد جاءك. وقد بيَّنَّا هذا في طه «١» وما بعده إلى قوله عزّ وجلّ: طُوىً (١٦) اذْهَبْ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو «طُوى اذهب» غير مُجراةٍ. وقرأ الباقون «طوىً» منونة، فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وقرأ ابن كثير، ونافع، «تَزَّكَّى» بتشديد الزاي، أي: تَطَّهَّر من الشرك وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ أي: أدعوك إلى توحيده، وعبادته فَتَخْشى عذابه فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى وفيها قولان: أحدهما: أنها اليد والعصا، قاله جمهور المفسرين. والثاني: أنها اليد قاله الزّجّاج.

قوله عزّ وجلّ: فَكَذَّبَ أي بأنها من الله، وَعَصى نبيَّه ثُمَّ أَدْبَرَ أي: أعرض عن الإيمان يَسْعى أي: يعمل بالفساد في الأرض فَحَشَرَ لما اجتمعوا فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى أي: أنا لا ربَّ فوقي. وقيل أراد أن الأصنام أرباب، وأنا ربُّها وربُّكم. وقيل: أراد: أنا ربّ السّادة والقادة.

قوله عزّ وجلّ: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى فيه أربعة أقوال «٢» : أحدها: أن الأولى قوله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي «٣» والآخرة قوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى قاله ابن عباس، وعكرمة، والشعبي، ومقاتل، والفراء. ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد. قال ابن عباس: وكان بينهما أربعون سنة. قال السدي: فبقي بعد الآخرة ثلاثين سنة. قال الفراء: فالمعنى: أخذه الله أخذاً نكالاً للآخرة والأولى.

والثاني: المعنى: جعله الله نكال الدنيا والآخرة، أغرقه في الدنيا، وعذَّبه في الآخرة، قاله الحسن، وقتادة. وقال الربيع بن أنس: عذَّبه الله في أول النهار بالغَرَق، وفي آخره بالنَّار. والثالث: أن الأولى:

تكذيبه وعصيانه. والآخرة قوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى قاله أبو رزين. والرابع: أنها أول أعماله وآخرها، رواه منصور عن مجاهد. قال الزجاج: النكال: منصوب، مصدر مؤكد، لأن معنى أخذه الله: نكل الله به نكال الآخرة والأولى: فأغرقه في الدنيا ويعذِّبه في الآخرة.

قوله عزّ وجلّ: إِنَّ فِي ذلِكَ الذي فُعِل بفرعون لَعِبْرَةً أي عظة لِمَنْ يَخْشى الله.

ثم خاطب منكري البعث، فقال عزّ وجلّ: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها قال الزجاج: ذهب بعض النحويين الى أن قوله عزّ وجلّ: بَناها من صفة السماء، فيكون المعنى: أم السماء التي بناها. وقال


(١) طه: ٩.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٥٥٣: قال تعالى: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى أي انتقم منه انتقاما جعله به عبرة ونكالا لأمثاله من المتمردين في الدنيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ كما قال تعالى:
وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ هذا هو الصحيح في معنى الآية أن المراد بقوله:
نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى أي: الدنيا والآخرة. لا شك فيه.
(٣) القصص: ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>