للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ. قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: «شركاء» بضم الشين والمدّ، جمع شريك. وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم: «شِركاً» مكسورة الشين على المصدر، لا على الجمع. قال أبو علي: من قرأ «شِرْكاً» حذف المضاف، كأنه أراد: جعلا له ذا شِرك، وذوي شريك فيكون المعنى: جعلا لغيره شِركاً، لأنه إذا كان التقدير: جَعلا له ذوي شرك، فالمعنى: جعلا لغيره شركاً وهذه القراءة في المعنى كقراءة من قرأ «شركاء» . وقال غيره: معنى «شركاء» : شريكاً، فأوقع الجمع موقع الواحد كقوله تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ «١» . والمراد بالشريك: إبليس، لأنهما أطاعاه في الاسم، فكان الشرك في الطاعة، لا في العبادة ولم يقصدا أن الحارثَ ربُّهما، لكن قصدا أنه سبب نجاة ولدهما وقد يُطلَق العبد على من ليس بمملوك. قال الشاعر:

وإني لَعبدُ الضَّيف ما دَامَ ثَاوياً ... وما فيَّ إلا تِلْكَ مَنْ شِيْمَةِ العَبْدِ «٢»

وقال مجاهد: كان لا يعيش لآدم ولد، فقال الشيطان: إذا وُلد لكما ولد فسمياه عبد الحارث، فأطاعاه في الاسم، فذلك قوله تعالى: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما، هذا قول الجمهور، وفيه قول ثان، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما أشرك آدم، إن أول الآية لَشكر، وآخرها مَثَل ضربه الله لمن يعبده في قوله عزّ وجلّ: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما. وروى قتادة عن الحسن، قال: هم اليهود والنصارى، رزقهم الله أولاداً فهوَّدوهم ونصَّروهم. وروي عن الحسن، وقتادة قالا: الضمير في قوله:

«جعلا له شركاء» عائد إلى النفس وزوجه من ولد آدم، لا إلى آدم وحواء. وقيل: الضمير راجع إلى الولد الصالح، وهو السليم الخلْق، فالمعنى: جعل له ذلك الولدُ شركاء. وإنما قال: «جعلا» لأن حواء كانت تلد في كل بطن ذكراً وأُنثى. قال ابن الأنباري: الذين جعلوا له شركاء اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار الذين هم أولاد آدم وحواء. فتأويل الآية: فلما آتاهما صالحاً، جعل أولادُهُما له شركاء، فحذف الأولاد وأقامهما مقامهم كما قال: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ «٣» . وذهب السدي إلى أن قوله: فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ في مشركي العرب خاصة، وأنها مفصولة عن قصة آدم وحوّاء.

[[سورة الأعراف (٧) : آية ١٩١]]

أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١)

قوله تعالى: أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً قال ابن زيد: هذه لآدم وحواء حيث سمّيا ولدهما عبد شمس، والشمس لا تخلق شيئاً. وقال غيره: هذا راجع إلى الكفار حيث أشركوا بالله الاصنام، وهي لا تخلق شيئا. وقوله تعالى: وَهُمْ يُخْلَقُونَ أي: وهي مخلوقة. قال ابن الأنباري: وإنما قال: «ما» ثم قال: «وهم يُخلَقون» لأن «ما» تقع على الواحد والاثنين والجميع وإنما قال: «وهم» وهو يعني الأصنام، لأن عابديها أدّعَوا أنها تعقل وتميِّز، فأجريت مجرى الناس، فهو كقوله تعالى:


(١) سورة آل عمران: ١٧٣.
(٢) البيت منسوب إلى المقنع الكندي في «الحماسة» ٣/ ١١٨٠.
(٣) سورة يوسف: ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>