للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجنوده، فسأل الله تعالى أن يُوسِّع قلبه للحق حتى لا يخاف فرعونَ وجنوده. ومعنى قوله: وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي: سهِّل عليَّ ما بعثتَني له. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي قال ابن قتيبة: كانت فيه رُتَّة «١» قال المفسرون: كان فرعون قد وضع موسى في حِجره وهو صغير، فجرَّ لحية فرعون بيده، فهمَّ بقتله، فقالت له آسية: إِنه لا يعقل، وسأُريك بيان ذلك، قدِّم إِليه جمرتين ولؤلؤتين، فإن اجتنب الجمرتين عرفت أنه يعقل، فأخذ موسى جمرة فوضعها في فيه فأحرقت لسانه وصار فيه عقدة، فسأل حَلَّها ليفهموا كلامه.

وأما الوزير، فقال ابن قتيبة: أصل الوِزَارة من الوِزْر وهو الحِمْلِ، كأن الوزير قد حمل عن السلطان الثِّقْل. وقال الزجاج. اشتقاقه من الوَزَر، والوَزَر: الجبل الذي يُعتصم به ليُنجى من الهلكة، وكذلك وزير الخليفة، معناه: الذي يعتمد عليه في أموره ويلتجئ إِلى رأيه. ونصب «هارون» من جهتين. إِحداهما: أن تكون «اجعل» تتعدى إِلى مفعولين، فيكون المعنى: اجعل هارون أخي وزيري، فينتصب «وزيراً» على أنه مفعولٌ ثانٍ. ويجوز أن يكون «هارون» بدلاً من قوله: وَزِيراً، فيكون المعنى: اجعل لي وزيراً من أهلي، ثم أبدل هارون من وزير والأول أجود. قال الماوردي: وإِنما سأل الله تعالى أن يجعل له وزيراً، لأنه لم يُرِد أن يكون مقصوراً على الوزارة حتى يكون شريكاً في النبوَّة، ولولا ذلك لجاز أن يستوزر من غير مسألة. وحرّك ابن كثير، وأبو عمرو بفتح ياء «أخيَ» . قوله تعالى: اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي قال الفراء: هذا دعاء من موسى، والمعنى: اشْدُد به يا ربِّ أزري، وأَشْرِكه يا ربِّ في أمري. وقرأ ابن عامر: «أَشدد» بالألف مقطوعة مفتوحة، «وأشركه» بضمّ الألف، وكذلك يبتدئ بالأَلفين. قال أبو علي: هذه القراءة على الجواب والمجازاة، والوجه الدعاء دون الإِخبار، لأن ما قَبْله دعاء، ولأن الإِشراك في النبوَّة لا يكون إلّا من الله عزّ وجلّ. قال ابن قتيبة: والأَزْر: الظهر، يقال: آزرت فلاناً على الأمر، أي: قوَّيته عليه وكنت له فيه ظَهْراً. قوله تعالى: وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي أي:

في النبوَّة معي كَيْ نُسَبِّحَكَ أي: نصلّي لكَ وَنَذْكُرَكَ بألسنتنا حامدين لك على ما أوليتنا أي من نِعَمِكَ إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً أي: عالما إذ خصصتنا بهذه النّعم،

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٣٦ الى ٤٢]

قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠)

وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢)

قوله تعالى: قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ قال ابن قتيبة: أي: طَلِبَتَكَ، وهو «فُعْل» من «سَأَلْت» ، أي:

أُعطيتَ ما سألتَ. قوله تعالى: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ أي: أنعمنا عليكَ مَرَّةً أُخْرى قبل هذه المَرَّة. ثم بيَّن متى كانت بقوله: إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى أي: ألهمناها ما يُلهم مما كان سببا لنجاتك، ثم فسّر


(١) في «اللسان» : الرّتّة بالضم: عجلة في الكلام، وقلة أناة، وقيل: هو أن يقلب اللام ياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>