لأسلمنا، ولكنَّا نشهد أن لا إِله إِلا الله وأنَّك رسولُ الله. فلما كان يوم بدر، قال المشركون: لا يتخلف عنا أحد إلا هدمنا داره واستحللنا ماله، فخرج أولئك القوم، فقُتلت طائفة منهم وأُسرت طائفة. فأما الذين قُتلوا، فهم الذين قال الله فيهم: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ «١» . وأما الذين أُسروا فقالوا: يا رسول الله أنت تعلم أنا كنا نشهد أن لا إِله إِلا الله وأنك رسول الله، وإنما خرجنا مع هؤلاء خوفاً منهم. فذلك قوله تعالى: قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إلى قوله تعالى: عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
فأمّا قوله تعالى: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً فمعناه إسلاماً وصدقاً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ من الفداء. وفيه قولان: أحدهما: أكثر مما أُخذ منكم. والثاني: أحلُّ وأطيب. وقرأ الحسن، ومجاهد، وقتادة، وابن أبي عبلة:«مما أخَذ منكم» بفتح الخاء يشيرون إلى الله تعالى. وفي قوله تعالى: وَيَغْفِرْ لَكُمْ قولان: أحدهما: يغفر لكم كفركم وقتالكم رسول الله، قاله الزجاج.
والثاني: يغفر لكم خروجكم مع المشركين، قاله ابن زيد في تمام كلامه الأوّل.
قوله تعالى: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ يعني: إن أراد الأُسراء خيانتك بالكفر بعد الإسلام فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ إذ كفروا به قبل أسرهم. وقال ابن زيد: فقد خانوا بخروجهم مع المشركين وقد ذكرنا عنه أنها نزلت في قوم تكلَّموا بالإسلام. وقال مقاتل: المعنى: إن خانوك أمكنتك منهم فقتلتهم وأسرتهم كما أمكنتُك ببدر. قال الزجاج: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بخيانة إن خانوها، حَكِيمٌ في تدبيره عليهم ومجازاته إياهم.
قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني: المهاجرين الذين هجروا ديارهم وأموالهم وقومهم في نصرة الدين. وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا يعني: الأنصار، آووا رسولَ الله، وأسكنوا المهاجرين ديارهم، ونصروهم على أعدائهم أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ فيه قولان: أحدهما: في النصرة. والثاني: في الميراث.
قال المفسرون: كانوا يتوارثون بالهجرة، وكان المؤمن الذي لم يهاجر لا يرث قريبه المهاجر، وهو معنى قوله تعالى: ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وابن عامر، وعاصم، والكسائي:«وَلايتهم» بفتح الواو. وقرأ حمزة: بكسر الواو. قال الزجاج: المعنى: ليس بينكم وبينهم ميراث حتى يهاجروا. ومن كسر واو الولاية، فهي بمنزلة الإمارة وإذا فتحت، فهي من النصرة. وقال يونس النّحوي: الولاية، بالفتح، لله عزّ وجلّ، والوِلاية، بالكسر، من وُليِّت الأمر.
وقال أبو عبيدة: الوَلاية، بالفتح، للخالق والوِلاية، للمخلوق. قال ابن الأنباري: الولاية، بالفتح،