قوله تعالى: وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ هو يوم بدر، فُرق فيه بين الحق والباطل بنصر المؤمنين. والذي أُنزل عليه يومئذ قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ نزلت حين اختلفوا فيها.
فالمعنى: إن كنتم آمنتم بذلك، فاصدروا عن أمر الرسول في هذا أيضا.
قوله تعالى: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا قرأ ابن كثير، وأبو عمرو:«بالعِدوة» و «العِدوة» العين فيهما مكسورة. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: بضم العين فيهما. قال الأخفش: لم يُسمع من العرب إلا الكسر. وقال ثعلب: بل الضم أكثر اللغتين. قال ابن السِّكّيت:
عُدوة الوادي وعِدوته: جانبه والجمع: عُدىً وعِدىً. والدنيا: تأنيث الأدنى وضدها: القصوى وهي تأنيث الأقصى وما كان من النعوت على «فُعلى» من ذوات الواو، فان العرب تحوِّلُه إلى الياء، نحو: الدنيا، من: دنوت والعليا، من: علوت لأنهم يستثقلون الواو مع ضم الأول، وليس في هذا اختلاف، إلا أن أهل الحجاز قالوا: القُصوى، فأظهروا الواو، وهو نادر وغيرهم يقول: القصيا. قال المفسرون: إذ أنتم بشفير الوادي الأدنى من المدينة، وعدوّكم بشفيره الأقصى إلى مكة، وكان الجمعان قد نزلا وادي بدر على هذه الصفة، والركب: أبو سفيان وأصحابه. قال الزجاج: من نصب «أسفلَ» اراد: والركب مكانا أسفل منكم، ويجوز الرّفع على معنى: والرّكب أشدّ تسفّلا منكم. قال قتادة كان المسلمون أعلى الوادي، والمشركون أسفله.
وفي قوله: وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ قولان: أحدهما: لو تواعدتم، ثم بلغكم كثرتهم، لتأخَّرتم عن الميعاد، قاله ابن اسحاق. والثاني: لو تواعدتم على الاجتماع في المكان الذي اجتمعتم فيه من عِدوتي وادي بدر لاختلفتم في الميعاد، قاله أبو سليمان. وقال الماوردي: كانت تقع الزيادة والنقصان، أو التقدم والتأخر من غير قصد لذلك. قوله تعالى: وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا وهو إعزاز الإسلام وإذلال الشرك.
قوله تعالى: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ. وروى خلف عن يحيى:«ليُهلَك» بضم الياء وفتح اللام. قوله تعالى: وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ قرأ أبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي:«من حيَّ» بياء واحدة مشددة، وهذه رواية حفص عن عاصم، وقنبل عن ابن كثير. وروى شِبْلٌ عن ابن كثير، وابو بكر عن عاصم:«حيِي» بياءين الأولى مكسورة، والثانية مفتوحة، وهي قراءة نافع. فمن قرأ
من طريق آخر بأتم منه، قال الهيثمي في المجمع ٤/ ٣٣٤: ورجاله ثقات. وورد من حديث جابر عند عبد الرزاق ١٣٨٩٩ وإسناده ضعيف لضعف حرام بن عثمان، لكنه شاهد لما قبله. وله شاهد آخر من حديث أنس أخرجه البزار ١٣٠٢ و ١٣٧٦ وفيه يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي، وهو ضعيف جدا قاله الهيثمي في المجمع ٤/ ٢٢٦. وأخرجه الطبراني في الكبير ٣٥٠٢ من حديث حنظلة، ورجاله ثقات كما في المجمع ٢٢٦٧٤.