للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنها ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فالمعنى: من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً، رواه التميمي عن ابن عباس، وبه قال عطاء، وقتادة. قال ابن قتيبة: وهذه كناية عن غير مذكور، وكان قوم من المسلمين لشدة حنقهم على المشركين يستبطئون ما وعد الله رسوله من النصر، وآخرون من المشركين، يريدون اتَّباعه، ويخشَوْن أن لا يتم أمره، فقال هذه الآية للفريقين. ثم في معنى هذا النصر قولان: أحدهما: أنه الغلبة، قاله أبو صالح عن ابن عباس، والجمهور. والثاني: أنه الرزق، حكاه أبو سليمان الدمشقي.

قوله تعالى: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ في المراد بالسماء قولان: أحدهما: سقف بيته، والمعنى: فليشدد حبلاً في سقف بيته، فليختنق به ثُمَّ لْيَقْطَعْ الحبل ليموت مختنقاً، هذا قول الأكثرين. ومعنى الآية: ليصور هذا الأمر في نفسه لا أنه يفعله، لأنه إِذا اختنق لا يمكنه النظر والعلم.

والثاني: أنها السماء المعروفة، والمعنى: فليقطع الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إِن قدر، قاله ابن زيد. قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْطَعْ قرأ أبو عمرو، وابن عامر: «ثم ليقطع» «ثم ليقضوا» «١» بكسر اللام. زاد ابن عامر «وليوفوا» «٢» «وليطوفوا» «٣» بكسر اللام أيضاً. وكسر ابن كثير لام «ثم لِيقضوا» فحسب. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: بسكون هذه اللامات، وكذلك في كل القرآن إِذا كان قبلها واوٌ أو فاءٌ أو ثم، قال الفراء: من سكَّن فقد خفف، وكل لام أمر وصلت بواو أو فاء، فأكثر كلام العرب تسكينها، وقد كسرها بعضهم. قال أبو علي: الأصل الكسر، لأنك إِذا ابتدأت قلت: ليقم زيد. قوله تعالى: هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ قال ابن قتيبة: المعنى: هل تُذهبن حيلتُه غيظَه، والمعنى: ليجهد جهده.

قوله تعالى: وَكَذلِكَ أي: ومثل ذلك الذي تقدم من آيات القرآن أَنْزَلْناهُ يعني: القرآن.

وما بعد هذا ظاهر إِلى قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ أي: يقضي يَوْمَ الْقِيامَةِ بينهم بادخال المؤمنين الجنة والآخرين النار إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من أعمالهم شَهِيدٌ.

[[سورة الحج (٢٢) : آية ١٨]]

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (١٨)

قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ أي: ألم تعلم. وقد بيَّنَّا في سورة النحل «٤» معنى السجود «٥» في حق من يعقل، ومن


(١) سورة الحج: ٢٩.
(٢) سورة الحج: ٢٩.
(٣) سورة الحج: ٢٩.
(٤) سورة النحل: ٤٩.
(٥) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ٢٦٥: يخبر الله تعالى أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له، فإنّه يسجد لعظمته كل شيء طوعا وكرها، وسجود كل شيء مما يختص به، كما قال: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ فأخبر أن كل ماله ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال أي- بكرة وعشيا- فإنه ساجد بظله لله تعالى وقال أبو العالية: ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع لله ساجدا حين يغيب، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له، فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه.
وروى أحمد في حديث الكسوف: «إن الشمس والقمر خلقان من خلق الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله إذا تجلّى لشيء من خلقه خشع له» .

<<  <  ج: ص:  >  >>