للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنه لا يجوز أن يتأسَّف نبيّ الله على مصير ماله بعد موته إِذا وصل إِلى وارثه المستحق له شرعاً. والثالث: أنه لم يكن ذا مال.

(٩٥٢) وقد روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن زكريا كان نجاراً.

قوله تعالى: وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا قال اللغويون: أي: مرضيّاً، فصُرِف عن مفعول إِلى فَعيل، كما قالوا: مقتول وقتيل.

[سورة مريم (١٩) : الآيات ٧ الى ١١]

يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)

قوله تعالى: يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ في الكلام إِضمار، تقديره: فاستجاب الله له فقال: «يا زكريّا إِنا نبشِّرك» . وقرأ حمزة: «نَبْشُرك» بالتّخفيف. وقد شرحنا هذا في سورة آل عمران «١» . قوله تعالى:

لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا فيه ثلاثة أقوال «٢» : أحدها: لم يُسمَّ يحيى قبله، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، وقتادة، وابن زيد، والأكثرون. فإن اعترض معترض، فقال: ما وجه المِدْحَة باسم لم يُسمَّ به أحد قبله، ونرى كثيراً من الأسماء لم يُسبَق إِليها؟ فالجواب: أن وجه الفضيلة أن الله تعالى تولَّى تسميته، ولم يَكِل ذلك إِلى أبويه، فسماه باسم لم يُسبَق إِليه. والثاني: لم تلد العواقر مثله ولداً، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. فعلى هذا يكون المعنى: لم نجعل له نظيراً. والثالث: لم نجعل له من قبل مِثْلاً وشِبْهاً، قاله مجاهد. فعلى هذا يكون عدم الشَّبَه من حيث أنه لم يعص ولم يهمّ


وراثة النبوة، لم يقل وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي إذ لا يخاف الموالي على النبوة، ولقوله تعالى:
وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ، والصواب ما حكيناه عن الجمهور، أن جميع الأنبياء لا يورثون، والمراد بقصة زكريا وداود، وراثة النبوة، والله أعلم.
وذكر الحافظ في «الفتح» ١٢/ ٨- ٦ بعض كلام ابن عبد البر الذي تقدم آنفا، ثم ذكر ما ذهب إليه الحسن، وأنه قول إبراهيم بن إسماعيل بن علية من الفقهاء. قال: وأخرج الطبري عن أبي صالح في الآية، حكاية عن زكريا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ قال: العصبة، ومن قوله يَرِثُنِي يرث مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة، وأخرج من طريق قتادة عن الحسن نحوه، لكن لم يذكر المال، ومن طريق مبارك بن فضالة عن الحسن رفعه «رحم الله أخي زكريا: ما كان عليه من يرث ماله» .
صحيح. أخرجه مسلم ٢٣٧٩ وأحمد ٢/ ٢٩٦- ٤٠٥ وابن ماجة ٢١٥٠ والطحاوي في «المشكل» ١/ ٤٢٩ وابن حبان ٥١٤٢، واستدركه الحاكم ٢/ ٥٩٠ كلهم من حديث أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>