للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة غافر (٤٠) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤)

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٦) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨)

وفي (حم) أربعة أقوال «١» : أحدها: قَسَم أَقْسَمَ الله به وهو من أسمائه عزّ وجلّ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس: قال أبو سليمان: وقد قيل: إن جواب القسم قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ «٢» . والثاني: أنها حروف من أسماء الله عزّ وجلّ، ثم فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن «آلر» و «حم» و «ن» حروف الرحمن، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثاني: أن الحاء مفتاح اسمه «حميد» ، والميم مفتاح اسمه «مجيد» ، قاله أبو العالية. والثالث: أن الحاء مفتاح كل اسم لله ابتداؤه حاء، مثل «حكيم» ، و «حليم» ، و «حيّ» ، والميم مفتاح كلِّ اسمٍ له ابتداؤه ميم مثل «ملك» ، و «متكبِّر» ، و «مَجيد» ، حكاه أبو سليمان الدمشقي. وروي نحوه عن عطاء الخراساني. والثالث: أن معنى «حم» :

قُضِيَ ما هو كائن، رواه أبو صالح عن ابن عباس. ورُوي عن الضحاك والكسائي مثل هذا، كأنهما أرادا الإِشارة إلى حُمَّ، بضم الحاء وتشديد الميم. قال الزجاج: وقد قيل في «حم» : حُمَّ الأمر. والرابع: أن «حم» اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة. وقرأ ابن كثير: «حم» بفتح الحاء وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: بكسرها واختلف عن الباقين. قال الزجاج: أمّا الميم فساكنة في قراءة القُرّاء كلّهم إلّا عيسى بن عمر، فإنه فتحها وفتحها على ضربين. أحدهما: أن يجعل «حم» اسماً للسُّورة، فينصبه ولا ينوِّنه، لأنه على لفظ الأسماء الأعجمية نحو هابيل وقابيل. والثاني: على معنى: اتْلُ حم والأجود أن يكون فتح لالتقاء الساكنين حيث جعله اسماً للسُّورة، ويكون حكاية حروف الهجاء.

قوله تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتابِ أي: هذا تنزيلُ الكتاب. والتَّوْبُ: جمع تَوْبَة، وجائز أن يكون مصدراً من تاب يَتُوب تَوْبا. والطوَّل: الفَضْل. قال أبو عبيدة: يقال: فلان ذو طَوْل على قومه، أي: ذو فَضْل. وقال ابن قتيبة: يقال: طُلْ عليَّ يرحمك الله، أي: تَفَضَّلْ. قال الخطابي: ذو: حرف النِّسبة، والنّسبة في كلامهم على ثلاثة أوجه: بالياء، كقولهم: أسديّ، وبكريّ. والثاني: على الجمع، كقولهم: المَهالبة، والمسامعة، والأزارقة. والثالث: ب «ذي» و «ذات» ، كقولهم: رجُل مال، أي: ذو مال، وكبش صاف، أي: ذو صوف، وناقة ضامر، أي: ذات ضُمر، فقوله: ذو الطَّوْل، معناه: أهْل الطّول والفضل.


(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١١/ ٣٨: والقول عندي في ذلك نظير القول في أخواتها، وقد بيّنا ذلك في قوله تعالى (الم) ففي ذلك كفاية عن إعادته في هذا الموضع، إذ كان القول في (حم) وجميع ما جاء في القرآن على هذا الوجه، أعني حروف التهجي قولا واحدا. اه.
(٢) غافر: ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>