للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاسْتَغْفِرْ لَنا أي: ادْعُ اللهَ أنْ يَغْفِر لنا تخلُّفنا عنك يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ أي: ما يبالون استغفرتَ لهم أم لم تستغفر لهم. قوله تعالى: فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا

قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: «ضُراً» بضم الضاد والباقون: بالفتح. قال أبو علي: «الضَّرُّ» بالفتح:

خلاف النفع، وبالضم: سوء الحال، ويجوز أن يكونا لغتين كالفَقْر والفُقْر، وذلك أنهم ظنُّوا أن تخلَّفهم يدفع عنهم الضَّرَّ. ويعجِّل لهم النفع بسلامة أنفسهم وأموالهم، فأخبرهم الله تعالى أنه إِن أراد بهم شيئاً، لم يَقْدِر أحد على دفعه عنهم، بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً من تخلُّفهم وقولهم عن المسلمين أنهم سيهلكون، وذلك قوله: بَلْ ظَنَنْتُمْ أي: توهَّمتم أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أي لا يَرْجِعون إِلى المدينة، لاستئصال العدوِّ إِيّاهم، وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وذلك من تزيين الشيطان. قوله تعالى: وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً قد ذكرناه في الفرقان «١» .

[[سورة الفتح (٤٨) : آية ١٥]]

سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥)

وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ الذين تخلَّفُوا عن الحديبية إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ وذلك أنهم لمّا انصرفوا عن الحديبية بالصُّلح وعَدَهم اللهُ فَتْحَ خيبر، وخصَّ بها من شَهد الحديبية فانطلقوا إِليها، فقال هؤلاء المخلَّفون: ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ، قال الله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: «أن يبدِّلوا كَلِمَ الله» بكسر اللام. وفي المعنى قولان:

أحدهما: أنه مواعيد الله بغنيمة خيبر لأهل الحديبية خاصة، قاله ابن عباس. والثاني: أمْرُ الله نبيَّه أن لا يسير معه منهم أحد، وذلك أن الله وعده وهو بالحديبية أن يفتح عليه خيبر، ونهاه أن يسير معه أحد من المتخلِّفين، قاله مقاتل. وعلى القولين: قصدوا أن يجيز لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يخالِف أمْرَ الله، فيكون تبديلاً لأمره.

قوله تعالى: كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فيه قولان: أحدهما: قال: إِن غنائم خيبر لِمَن شَهِد الحديبية، وهذا على القول الأول. والثاني: قال: لن تتَّبعونا، وهذا قول مقاتل.

فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا أي: يمنعُكم الحسد من أن نصيب معكم الغنائم.

[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ١٦ الى ١٧]

قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧)

قوله تعالى: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ المعنى: إن كنتم تريدون الغزو والغنيمة فستُدْعََون إِلى جهاد قوم أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ. وفي هؤلاء القوم ستة أقوال «٢» : أحدها: أنهم فارس، رواه ابن أبي طلحة عن ابن


(١) الفرقان: ١٨.
(٢) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١١/ ٣٤٦: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء المخلفين من الأعراب أنهم سيدعون إلى قتال قوم أولي بأس في القتال، ونجدة في الحروب، ولم يوضح لنا الدليل على أن المعني بذلك أعيان بأعيانهم.
- وقال ابن العربي رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ١٣٥: وقوله تعالى: تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ وهذا يدل على أنهم باليمامة لا بفارس ولا بالروم، لأن الذي تعين عليه القتال حتى يسلم من غير قبول جزية هم العرب في أصح الأقوال والمرتدون. وأما فارس والروم فلا يقاتلون حتى يسلموا، بل إن بذلوا الجزية قبلت منهم، وجاءت الآية معجزة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم وإخبارا بالغيب الآتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>