وأراد أن يُذِلَّ المشركين بذلك، فلما أذَّن، قال عتاب بن أَسِيد: الحمدُ لله الذي قبض أسيداً قبل اليوم، وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسودِ مؤذِّناً؟! وقال سهيل بن عمرو: إن يَكْرَهِ اللهُ شيئاً يغيِّره، وقال أبو سفيان: أمّا أنا فلا أقول شيئاً، فإنِّي إن قُلتُ شيئاً لَتْشْهَدَنَّ عليَّ السماءُ، ولَتُخْبِرَنَّ عنِّي الأرض، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
(١٣٣٥) والثالث: أن عبداً أسود مرض فعاده رسولُ الله صلّى الله عليه وسلم، ثم قُبض فتولَّى غسله وتكفينه ودفنه، فأثَّر ذلك عند الصحابة، فنزلت هذه الآية، قاله يزيد بن شجرة.
فأمّا المراد بالذَّكَر والأُنثى، فآدم وحوَّاء. والمعنى: إِنكم تتساوَوْن في النسب وهذا زجر عن التفاخر بالأنساب. فأمّا الشُّعوب، فهي جمع شَعب. وهو الحيُّ العظيم، مثل مضر وربيعة، والقبائل دونها، كبَكر من ربيعة، وتميم من مضر، هذا قول الجمهور من المفسرين وأهل اللغة. وروى عطاء عن ابن عباس قال: يريد بالشعوب الموالي، وبالقبائل العرب. وقال أبو رزين: الشعوب: أهل الجبال الذين لا يَعْتَزُون لأحد، والقبائل: قبائل العرب. وقال أبو سليمان الدمشقي: وقد قيل إِن القبائل هي الأصول، والشُّعوب هي البُطون التي تتشعَّب منها، وهذا ضد القول الأول.
قوله تعالى: لِتَعارَفُوا أي: ليَعْرِفَ بعضُكم بعضاً في قُرب النسب وبُعده. قال الزجاج:
المعنى: جعلْناكم كذلك لتَعارفوا، لا لتَفاخروا. ثم أعلمهم أن أرفعهم عنده منزلةً أتقاهم، وقرأ أًبيُّ بن كعب، وابن عباس، والضحاك، وابن يعمر، وأبان عن عاصم:«لِتَعْرِفوا» بإسكان العين وكسر الراء من غير ألف. وقرأ مجاهد، وأبو المتوكل، وابن محيصن:«لِتَّعارَفوا» بتاء واحدة مشددة وبألف مفتوحة الراء مخففة. وقرأ أبو نهيك، والأعمش:«لِتتعرَّفوا» بتاءين مفتوحة الراء وبتشديدها من غيرَ ألف.
قوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ وقرأ أبو عبد الرحمن السُّلَمي، ومجاهد، وأبو الجوزاء:«أنَّ» بفتح الهمزة. قال الفراء: من فتح «أنَّ» فكأنه قال: لتعارفوا أنَّ الكريمَ التَّقيُّ، ولو كان كذلك لكانت «لِتَعْرِفوا» ، غير أنه يجوز «لِتَعارفوا» على معنى: ليعرِّف بعضُكم بعضاً أن أكرمكم عند الله أتقاكم.