للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنؤمننّ بك، ولنرسلن معك بني إسرائيل، فدعا موسى، فذهب الدم وَعَذُبَ ماؤهم، فقالوا: والله لا نؤمن بك ولا نرسل معك بني إسرائيل.

قوله تعالى: آياتٍ مُفَصَّلاتٍ قال ابن قتيبة: بين الآية والآية فصل. قال المفسرون: كانت الآية تمكث من السبت إلى السبت، ثم يبقون عقيب رفعها شهراً في عافية، ثم تأتي الآية الأخرى. وقال وهب بن منبه: بين كل آيتين أربعون يوماً. وروى عكرمة عن ابن عباس قال: مكث موسى في آل فرعون بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم الآيات، الجراد والقمّل والضّفادع والدّم.

وفي قوله تعالى: «فاستكبروا» قولان: أحدهما: عن الإيمان. والثاني: عن الانزجار.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٣٤ الى ١٣٦]

وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٣٤) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٥) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٣٦)

قوله تعالى: وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ أي: نزل بهم العذاب. وفي هذا العذاب قولان «١» :

أحدهما: أنه طاعون أهلك منهم سبعين ألفاً، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير.

والثاني: أنه العذاب الذي سلَّطه الله عليهم من الجراد والقُمَّل وغير ذلك، قاله ابن زيد.

قال الزجاج: «الرجز» : العذاب، أو العمل الذي يؤدي إلى العذاب. ومعنى الرجز في العذاب:

أنه المقلقل لشدته قلقلة شديدة متتابعة. وأصل الرجز في اللغة: تتابع الحركات، فمن ذلك قولهم: ناقة رجزاء، إذا كانت ترتعد قوائمها عند قيامها. ومنه رجز الشعر، لأنه أقصر أبيات الشعر، والانتقالُ من بيت إلى بيت، سريعٌ، نحو قوله:

يَا لَيْتَنِي فِيْهَا جَذَعْ ... أَخُبُّ فيها وَأضَعْ

وزعم الخليل أن الرَّجَز ليس بشعر، وإنما هو أنصاف أبيات وأثلاث.

قوله تعالى: بِما عَهِدَ عِنْدَكَ فيه أربعة أقوال: أحدها: أن معناه: بما أوصاك أن تدعوه به.

والثاني: بما تقدم به إليك أن تدعوه فيجيبك. والثالث: بما عهد عندك في كشف العذاب عمن آمن.

والرابع: أن ذلك منهم على معنى القسم، كأنهم أقسموا عليه بما عهد عنده أن يدعو لهم.

قوله تعالى: إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ أي: إلى وقت غرقهم. إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ أي: ينقضون العهد. قوله تعالى: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ قال أبو سليمان الدمشقي: انتصرنا منهم باحلال نقمتنا بهم، وتلك


(١) قال الطبري في «تفسيره» ٦/ ٤٢: وأولى القولين بالصواب في هذا الموضع أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن فرعون وقومه أنهم لما وقع عليهم الرجز، وهو العذاب والسخط من الله عليهم، فزعوا إلى موسى بمسألته ربه كشف ذلك عنهم وجائز أن يكون ذلك الرِّجْزُ كان الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، لأن كل ذلك كان عذابا عليهم وجائز أن يكون ذلك الرِّجْزُ كان طاعونا، ولم يخبرنا الله أي ذلك كان، ولا صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأي ذلك كان خبر، فنسلم له. فالصواب أن نقول فيه كما قال جل ثناؤه وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ، ولا نتعداه إلا بالبيان الذي لا تمانع فيه بين أهل التأويل، وهو: لما حل بهم عذاب الله وسخطه.

<<  <  ج: ص:  >  >>