وفي أول من سماها بالجمعة قولان: أحدهما: أنه كعب بن لؤي سماها بذلك، وكان يقال ليوم الجمعة: العَروبة. قاله أبو سلمة. وقيل: إِنما سماها بذلك لاجتماع قريش فيه. والثاني: أنّ أول من سماها بذلك الأنصار، قاله ابن سيرين.
قوله عزّ وجلّ: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وفي هذا السعي ثلاثة أقوال: أحدها: أنه المشي، قاله ابن عباس. وكان ابن مسعود يقرؤها «فامضوا» ويقول: لو قرأتها «فاسعَوْا» لسعَيت حتى يسقط ردائي. قال عطاء: هو الذهاب والمشي إلى الصلاة.
والثاني: أن المراد بالسعي: العمل، قاله عكرمة، والقرظي، والضحاك، فيكون المعنى: فاعملوا على المضي إلى ذكر الله بالتفرغ له، والاشتغال بالطهارة ونحوها.
والثالث: أنه النية بالقلب، قاله الحسن. وقال ابن قتيبة: هو المبادرة بالنية والجدّ.
وفي المراد «بذكر الله» قولان: أحدهما: أنه الصلاة، قاله الأكثرون. والثاني: موعظة الإمام، قاله سعيد بن المسيب.
قوله عزّ وجلّ: وَذَرُوا الْبَيْعَ أي: دعوا التجارة في ذلك الوقت. وعندنا: لا يجوز البيع في وقت النداء، ويقع البيع باطلاً في حق من يلزمه فرض الجمعة، وبه قال مالك خلافاً للأكثرين.
[فصل:]
تجب الجمعة على من سمع النداء من المصر، إذا كان المؤذن صَيِّتاً، والريح ساكنة.
وقد حدَّه مالك بفرسخ، ولم يحدّه الشافعي. وعن أحمد في التحديد نحوهما. وتجب الجمعة على أهل القرى. وقال أبو حنيفة: لا تجب إلا على أهل الأمصار. ويجوز لأهل المصر أن يقيموا الجمعة في الصحراء القريبة من المصر خلافاً للشافعي. ولا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين. وعن أحمد: أقله خمسون. وعنه: أقله ثلاثة. وقال أبو حنيفة: تنعقد بثلاثة والإمام، والعدد شرط في الخطبة. وقال أبو حنيفة في إِحدى الروايتين: يصح أن يخطب منفرداً. وهل تجب الجمعة على العبيد؟ فيه عن أحمد روايتان. وعندنا: تجب على الأعمى إذا وجد قائداً، خلافاً لأبي حنيفة. ولا تنعقد الجمعة بالعبيد والمسافرين، خلافاً لأبي حنيفة. وهل تجب الجمعة والعيدان من غير إِذن سلطان؟ فيه عن أحمد روايتان. وتجوز الجمعة في موضعين في البلد مع الحاجة. وقال مالك، والشافعي، وأبو يوسف: لا تجوز إلا في موضع واحد. وتجوز إقامة الجمعة قبل الزوال خلافاً لأكثرهم، وإذا وقع العيد يوم الجمعة أجزأ حضوره عن يوم الجمعة، وبه قال الشعبي والنخعي، خلافاً للأكثرين، والمستحب لأهل الأعذار أن يصلوا الظهر في جماعة. وقال أبو حنيفة: يكره. ولا يجوز السفر يوم الجمعة بعد الزوال. وقال أبو حنيفة: يجوز. وهل يجوز السفر بعد طلوع الفجر؟ فيه عن الإمام أحمد روايتان. ونقل عن أحمد رضي الله عنه أنه لا يجوز الخروج في الجمعة إلا للجهاد. وقال أبو حنيفة: يجوز لكل سفر. وقال الشافعي:
لا يجوز أصلاً.
والخطبة شرط في الجمعة. وقال داود: هي مستحبة. والطهارة لا تشترط في الخطبة، خلافا للشّافعي تصحّ في أحد قوليه. والقيام ليس بشرط في الخطبة، خلافاً للشافعي. ولا تجب القعدة بين الخطبتين، خلافاً له أيضاً.
ومن شرط الخطبة: التحميد، والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وقراءة آية، والموعظة. وقال أبو حنيفة: