للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونبيّه. وهذا قول قتادة، وابن زيد، وابن قتيبة، واختاره ابن جرير، وعن الحسن كالقولين وقال الزجاج: هذا بعيدٌ، لعموم قوله: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ والذين يبقوْن حينئِذ شرذمة منهم، إِلا أن يكون المعنى: أنهم كلهم يقولون: إن عيسى الذي ينزل لقتل الدجّال نؤمن به.

قوله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً قال قتادة: يكون عليهم شهيداً أنه قد بلَّغ رسالات ربه، وأقرّ بالعبودية على نفسه.

[[سورة النساء (٤) : آية ١٦٠]]

فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (١٦٠)

قوله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا قال مقاتل: حرّم الله على أهل التوراة الربا، وأن يأكلوا أموال الناس ظلماً، ففعلوا، وصدوا عن دين الله، وعن الإِيمان بمحمد عليه السلام، فحرّم الله عليهم ما ذكر في قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ «١» عقوبة لهم. قال أبو سليمان:

وظلمهم: نقضهم ميثاقهم، وكفرهم بآيات الله، وما ذكر في الآيات قبلها. وقال مجاهد: وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قال: صدّهم أنفسهم وغيرهم عن الحق. قال ابن عباس: صدهم عن سبيل الله، يعني الإِسلام، وأكلهم أموال الناس بالباطل، أي: بالكذب على دين الله، وأخذ الرُّشى على حكم الله، وتبديل الكتاب التي أنزلها الله ليستديموا المأكل.

[[سورة النساء (٤) : آية ١٦١]]

وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١)

قوله تعالى: وَأَعْتَدْنا أي: أعددنا للكافرين، يعني اليهود، وقيل: إِنما قال «منهم» ، لأنه علم أنّ قوما منهم يؤمنون، فيأمنون العذاب.

[[سورة النساء (٤) : آية ١٦٢]]

لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢)

قوله تعالى: لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ قال ابن عباس: هذا استثناء لمؤمني أهل الكتاب، فأما الراسخون، فهم الثّابتون في العلم. قال أبو سليمان: وهم عبد الله بن سلام، ومَن آمَن معه، والذين آمنوا من أهل الإِنجيل ممّن قَدِمَ مع جعفر من الحبشة، والمؤمنون، يعني أصحاب رسول الله. فأما قوله تعالى: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ فهم القائمون بأدائها كما أُمروا.

وفي نصب «المقيمين» أربعة أقوال: أحدها: أنه خطأٌ من الكاتب، وهذا قول عائشة «٢» ، وروي عن عثمان بن عفان أنه قال: إِن في المصحف لحنا ستقيمه العرب بألسنتها «٣» . وقد قرأ ابن مسعود،


(١) سورة الأنعام: ١٤٦.
(٢) خبر عائشة، أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص ١٦٠- ١٦١ والطبري ١٠٨٤٣ من طريق أبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عنها، وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن في رواية أبي معاوية عن هشام اضطراب إلى عائشة، أبو معاوية هو محمد بن حازم، ويحمل هذا على اجتهاد من عائشة رضي الله عنها، والجمهور على خلافه، وهذا إن ثبت عنها ذلك.
(٣) لا يصح مثل هذا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه. أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص ١٥٩- ١٦٠ ح ٢٠/ ٤٩ وابن أبي داود في «المصاحف» ص ٤٢ كلاهما عن الزبير بن خرّيت عن عكرمة، وهذا مرسل، فهو ضعيف. وأخرجه ابن أبي داود ص ٤١ عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر القرشي، وهذا معضل مع جهالة القرشي هذا، وكرره من وجه آخر عن قتادة، وهو مرسل ومع إرساله فيه من لم يسمّ، وكرره ص ٤١- ٤٢ من وجه آخر عن قتادة عن نصر بن عاصم الليثي عن عبد الله بن خطيم عن يحيى بن يعمر عن عثمان به، وهذا إسناد ضعيف لجهالة ابن خطيم هذا، وهذه الروايات جميعا واهية لا تقوم بها حجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>