للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيامة، لأنّ جوابها: قتلت بغير ذنب. وقيل: سئلت: طلبت، كما تقول: سألته حقّي وإنما طلبت لتبكيت قاتلي. ومثل هذا التبكيت قوله عزّ وجلّ: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ «١» وقرأ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وابن مسعود، وابن عباس، وأبو عبد الرحمن، وابن يعمر، وابن أبي عبلة، وهارون عن أبي عمرو «سَأَلَتْ» بفتح السين، وألف بعدها بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ بإسكان اللام، وضم التاءَ الأخيرة. وسؤالها هذا أيضاً تبكيت لقاتليها. قال ابن عباس: كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت، فكان أوان ولادها حفرت حفيرة، فتمخَّضت على رأس الحفيرة، فإن ولدت جارية رَمَتْ بها في الحفيرة، وإن ولدت غلاماً حبسته.

قوله عزّ وجلّ: وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ قرأ نافع، وعاصم، وأبو جعفر، وابن عامر، ويعقوب «نُشِرَتْ» بالتخفيف، والباقون بالتشديد. والمراد بالصحف: صحائف أعمال بني آدم نشرت للحساب وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ قال الفرّاء: يعني نُزِعَتْ، فطُوِيَتْ. وفي قراءة عبد الله «قُشِطَتْ» بالقاف، وهكذا تقول قيس، وتميم، وأسد، بالقاف. وأما قريش، فتقوله بالكاف، والمعنى واحد. والعرب تقول:

القافور، والكافور، والقسط، والكسط. وإذا تقارب الحرفان في المخرج تعاقبا في اللّغات، كما يقال:

جدث، وجدف. قال ابن قتيبة: كشطت كم يُكْشَطُ الغِطَاء عن الشيء، فطُوِيَتْ. وقال الزجاج: قلعت كما يقلع السقف. وسُعِّرَتْ أُوقدت. وقرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم «سُعِّرت» مشددة.

قال الزجاج: المعنى واحد. إلا أن معنى المشدد: أُوقدت مرة بعد مرة. وأُزْلِفَتْ قُرِّبَتْ من المتقين. وجواب هذه الأشياء عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ أي: إذا كانت هذه الأشياء عَلِمَتْ في ذلك الوقت كلُّ نفس ما أحضرت من عمل، فأثيبتْ على قدر عملها. وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال في قوله عزّ وجلّ: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ: لهذا جرى الحديث. وقال ابن عباس: من أول السورة إلى هاهنا اثنتا عشرة خصلة، ستة في الدنيا، وستة في الآخرة.

[سورة التكوير (٨١) : الآيات ١٥ الى ٢٩]

فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١٨) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩)

ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤)

وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (٢٥) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩)

قوله عزّ وجلّ: فَلا أُقْسِمُ لا زائدة، والمعنى: أقسم بِالْخُنَّسِ وفيها خمسة أقوال:

أحدها: أنها خمسة أنجم تَخْنُس بالنهار فلا تُرى، وهي: زُحَل، وعُطَارد، والمشتري، والمرّيخ.

وبه قال مقاتل، وابن قتيبة. وقيل: اسم المشتري: البرجس. واسم المريخ: بهرام. والثاني: أنها النجوم، قاله الحسن وقتادة على الإطلاق، وبه قال أبو عبيدة. والثالث: أنها بقر الوحش، قاله ابن مسعود. والرابع: الظباء، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير. والخامس: الملائكة، حكاه الماوردي. والأكثرون على أنها النجوم. قال ابن قتيبة: وإنما سماها خنّسا، لأنها تسير في البروج


(١) المائدة: ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>