قوله تعالى: تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ رجع عن الإِخبار عنهم إِلى الخطاب لهم، وهذا سؤال توبيخ.
قوله تعالى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ قال المفسرون: يعني: خزاعة وكنانة، زعموا أن الملائكة بنات الله سُبْحانَهُ أي: تنزه عما زعموا. وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ يعني: البنين. قال أبو سليمان: المعنى:
ويتمنَّون لأنفسهم الذكور. قوله تعالى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى أي أُخبر بأنه قد وُلد له بنت ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا قال الزجاج: أي: متغيِّراً تغيُّر مغتمٍّ، يقال لكل من لقي مكروهاً: قد اسود وجهه غَمّاً وحَزَناً. قوله تعالى: وَهُوَ كَظِيمٌ أي: يكظم شدة وَجْدِهِ، فلا يظهره، وقد شرحناه في سورة يوسف.
قوله تعالى: يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ قال المفسرون: وهذا صنيع مشركي العرب، كان أحدُهم إِذا ضرب امرأتَه المخاضُ، توارى إِلى أن يعلم ما يولد له، فإن كان ذكراً سُرَّ به، وإِن كانت أنثى، لم يظهر أياماً يُدَبِّر كيف يصنع في أمرها، وهو قوله: أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ فالهاء ترجع إِلى ما في قوله: ما بُشِّرَ بِهِ، والهُون في كلام العرب: الهوان. وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة، والجحدري: «على هوان» ، والدس: إِخفاء الشيء في الشيء، وكانوا يدفنون البنت وهي حية أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ إِذْ جعلوا لله البنات اللاتي محلُّهن منهم هذا، ونسبوه إلى الولد، وجعلوا لأنفسهم البنين.
[[سورة النحل (١٦) : آية ٦٠]]
لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠)
قوله تعالى: لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ أي: صفة السَّوْء من احتياجهم إِلى الولد، وكراهتهم للإناث، خوف الفقر والعار وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى أي: الصفة العليا من تنزُّهه وبراءته عن الولد.
[[سورة النحل (١٦) : آية ٦١]]
وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١)
قوله تعالى: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ أي: بشركهم ومعاصيهم، كلما وُجد شيء منهم أو خذوا به ما تَرَكَ عَلَيْها يعني: الأرض، وهذه كناية عن غير مذكور، غير أنه مفهوم، لأن الدوابّ إِنما هي على الأرض. وفي قوله: مِنْ دَابَّةٍ ثلاثة أقوال: أحدها: أنه عنى جميع ما يدبُّ على وجه الأرض، قاله ابن مسعود. قال قتادة: وقد فعل ذلك في زمن نوح عليه السلام، وقال السدي: المعنى:
لأقحط المطر فلم تبق دابة إِلا هلكت، وإِلى نحوه ذهب مقاتل، والثاني: أنه أراد من الناس خاصة، قاله ابن جريج. والثالث: من الإِنس والجن، قاله ابن السائب، وهو اختيار الزجاج.
قوله تعالى: وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وهو منتهى آجالهم، وباقي الآية قد تقدم.
[[سورة النحل (١٦) : آية ٦٢]]
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢)
قوله تعالى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ المعنى: ويحكمون له بما يكرهونه لأنفسهم، وهو البنات، وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أي: تقول الكذب، وقرأ أبو العالية، والنخعي، وابن أبي عبلة:
«الكُذُب» بضم الكاف والذال. ثم فسر ذلِك الكذب بقوله: أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى وفيها ثلاثة أقوال: