للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: كيف مدح نفسه بهذا القول، ومن شأن الأنبياء والصالحين التواضع؟

فالجواب: أنه لما خلا مدحُه لنفسه من بغي وتكبر، وكان مراده به الوصول إِلى حق يقيمه وعدل يحييه وجور يبطله، كان ذلك جميلاً جائزا.

(٨١٧) وقد قال نبيّنا عليه السلام: «أنا أكرم ولد آدم على ربه» .

وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: والله ما من آية إِلا وأنا أعلم أبِليل نزلت، أم بنهار. وقال ابن مسعود: لو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإِبل لأتيته. فهذه الأشياء، خرجت مخرج الشكر لله، وتعريف المستفيد ما عند المفيد، ذكر هذا محمد بن القاسم. قال القاضي أبو يعلى: في قصة يوسف دلالة على أنه يجوز للانسان أن يصف نفسه بالفضل عند من لا يعرفه، وأنه ليس من المحظور في قوله: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ «١» .

قوله تعالى: وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ في الكلام محذوف، تقديره: اجعلني على خزائن الأرض، قال: قد فعلت، فحُذف ذلك، لأن قوله: «وكذلك مكنا ليوسف» يدل عليه، والمعنى: ومثل ذلك الإنعام الذي أنعمنا عليه في دفع المكروه عنه، وتخليصه من السجن، وتقريبه من قلب الملك، أقدرناه على ما يريد في أرض مصر يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ قال ابن عباس: ينزل حيث أراد. وقرأ ابن كثير، والمفضل: «حيث نشاء» بالنون.

قوله تعالى: نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا أي: نختصُّ بنعمتنا من النبوَّة والنجاة مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ يعني المؤمنين. يقال: إِن يوسف باع أهل مصر الطعام بأموالهم وحُلِيِّهم ومواشيهم وعقارهم وعبيدهم ثم بأولادهم ثم برقابهم، ثم قال للملك: كيف ترى صُنع ربي؟ فقال الملك: إِنما نحن لك تبع، قال: فإني أُشهد الله وأُشهدك أني قد أعتقت أهل مصر ورددت عليهم أملاكهم. وكان يوسف لا يَشبع في تلك الأيام، ويقول: إِني أخاف أن أنسى الجائع.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٧]]

وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧)

قوله تعالى: وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ المعنى: ما نُعطي يوسف في الآخرة، خير مما أعطيناه في الدنيا، وكذلك غيره من المؤمنين ممن سلك طريقه في الصّبر.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٨]]

وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨)

قوله تعالى: وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ روى الضحاك عن ابن عباس قال: لما فوَّض الملك إلى


صحيح. أخرجه الترمذي ٣٦١٠، والدارمي ١/ ٢٦- ٢٧، والبغوي في «شرح السنة» ٣٥١٨ وفي تفسيره ١٣٢٤، من حديث أنس رضي الله عنه بأتم منه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. قلت: إسناده ضعيف، مداره على ليث وهو ابن أبي سليم، ضعفه ابن معين والنسائي، وقال أحمد: مضطرب الحديث. ثم هو مدلس، وقد عنعن، فالحديث بهذا اللفظ وبهذا الإسناد ضعيف، والذي صح في ذلك «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة» وهذا هو الصحيح، وسيأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>