قوله تعالى: لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
وهو القتل، والأسر، والسقم، فهو لهم في الدنيا عذاب، وللمؤمنين كفَّارة، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ
أي: أشد وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ
أي: مانع يقيهم عذابه.
[[سورة الرعد (١٣) : آية ٣٥]]
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (٣٥)
قوله تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ أي: صفتها أن الأنهار تجري من تحتها، هذا قول الجمهور. وقال ثعلب: خبر المثَل مُضمَر قبله، والمعنى: فيما نصف لكم مَثَل الجنة، وفيما نقصُّه عليكم خبر الجنة أُكُلُها دائِمٌ قال الحسن: يريد أن ثمارها لا تنقطع كثمار الدنيا وَظِلُّها لأنه لا يزول ولا تنسخه الشمس.
قوله تعالى: تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا أي: عاقبة أمرهم المصير إليها.
[[سورة الرعد (١٣) : آية ٣٦]]
وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦)
قوله تعالى: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم مسلمو اليهود، قاله أبو صالح عن ابن عباس. وقال مقاتل: هم عبد الله بن سلام وأصحابه. والثاني: أنهم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قاله قتادة. والثالث: مؤمنو أهل الكتابين من اليهود والنصارى، ذكره الماوردي. والذي أُنزل إِليه: القرآن، فرح به المسلمون وصدَّقوه، وفرح به مؤمنو أهل الكتاب، لأنه صدَّق ما عندهم.
وقيل: إِن عبد الله بن سلام ومَن آمَن معه من أهل الكتاب، ساءهم قِلَّة ذكر الرحمن في القرآن مع كثرة ذِكره في التوراة، فلما نزل ذِكره فرحوا، وكفر المشركون به، فنزلت هذه الآية.
فأما الأحزاب، فهم الكفار الذين تحزَّبوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالمعاداة، وفيهم أربعة أقوال «١» :
أحدها: أنهم اليهود والنصارى، قاله قتادة. والثاني: أنهم اليهود والنصارى والمجوس، قاله ابن زيد.
والثالث: بنو أمية وبنو المغيرة وآل أبي طلحة بن عبد العزّى، قاله مقاتل. والرابع: كفار قريش، ذكره الماوردي. وفي بعضه الذي أنكروه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ذكر الرّحمن والبعث ومحمّد صلّى الله عليه وسلم، قاله مقاتل. والثاني: أنهم عرفوا بعثة الرسول في كتبهم وأنكروا نبوَّته. والثالث: أنهم عرفوا صدقه، وأنكروا تصديقه، ذكرهما الماوردي.
(١) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله ٢/ ٦٣٩: وقوله وَمِنَ الْأَحْزابِ أي: ومن الطوائف من يكذب ببعض ما أنزل إليك. وقال مجاهد: وَمِنَ الْأَحْزابِ اليهود والنصارى من ينكر بعض ما جاءك من الحق. وكذا قال قتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وهذا كما قال تعالى: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ.