لهم، وتوبيخ على ما يتمنَّوْن من الباطل، سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ أي: ألكم عهود على الله تعالى حلف لكم على ما تَدَّعُونَ بأَيْمانٍ بالغةٍ، أي: مُؤكَّدةٍ. وكل شيء متناهٍ في الجودة والصحة فهو بالغ. ويجوز أن يكون المعنى: بالغة إلى يوم القيامة، أي: تبلغ تلك الأَيمان إلى يوم القيامة في لزومها وتوكيدها إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ لأنفسكم به من الخير والكرامة عند الله تعالى. قال الفراء: والقرَّاء على رفع «بالغة» إلّا الحسن فإنه ينصبها على مذهب المصدر، كقوله عزّ وجلّ:
حَقًّا. ومعنى الآية: هل لكم أيمان علينا بالغة بأنّ لكم ما تحكمون؟! لمّا كانت اللام في جواب «إن» كسرتَها.
قوله عز وجل: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ فيه قولان: أحدهما: أنه الكفيل، قاله ابن عباس، وقتادة. والمعنى: أيُّهُمْ كفل بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين من الخير. والثاني: أنه الرسول، قاله الحسن.
قوله عزّ وجلّ: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ يعني: الأصنام التي جعلوها شركاء لله تعالى، والمعنى: ألهم أرباب يفعلون بهم هذا الذي زعموا. وقيل: يشهدون لهم بصدق ما ادَّعَوْا فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ في أنها شركاء لله. وإنما أضيف الشرك إليهم لادّعائهم أنهم شركاء لله.
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٤٢ الى ٤٧]
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦)
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧)
يَوْمَ يُكْشَفُ المعنى: فليأتوا بها يوم يكشف عن ساق. قرأ الجمهور: «يُكْشَفُ» بضم الياء، وفتح الشين. وقرأ ابن أبي عبلة، وعاصم الجحدريّ، وأبو الجوزاء، بفتح الياء، وكسر الشين. وقرأ أبي بن كعب، وابن عباس: «تكشف» بتاء مفتوحة، وبكسر الشين. وقرأ ابن مسعود، وأبو مجلز، وابن يعمر، والضحاك: «نَكشف» بنون مفتوحة مع كسر الشين. وهذا اليوم هو يوم القيامة. وقد روى عكرمة عن ابن عباس: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال: يكشف عن شدّة، وأنشدوا:
وَقَامَتْ الحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقْ
وهذا قول مجاهد، وقتادة.
قال ابن قتيبة: وأصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إِلى معاناته والجدّ فيه، شمّر عن ساقه، فاستعيرت الساق في موضع الشدة، هذا قول الفراء وأبي عبيدة، واللغويين. وقد أضيف هذا الأمر إِلى الله تعالى.
(١٤٨١) فروي في «الصحيحين» من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «يكشف عن
صحيح. أخرجه البخاري ٧٤٣٩ و ٤٩١٩ وابن حبان ٧٣٧٧ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٧٤٥ والبغوي في «شرح السنة» ٤٢٢١ من حديث أبي سعيد. وأخرجه مسلم ١٨٣ من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم به مطوّلا. وأخرجه أحمد ٣/ ١٦- ١٧ من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن زيد بن أسلم به