والثاني: أنّ تمام الكلام عند قوله عزّ وجلّ: خَلَقَكُمْ ثم وصفهم، فقال عزّ وجلّ: فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ، واختلف أرباب هذا القول فيه على أربعة أقوال: أحدها: فمنكم كافر يؤمن، ومنكم مؤمن يكفر، قاله أبو الجوزاء عن ابن عباس. والثاني: فمنكم كافر في حياته مؤمن في العاقبة، ومنكم مؤمن في حياته كافر في العاقبة، قاله أبو سعيد الخدري. والثالث: فمنكم كافر بالله مؤمن بالكوكب، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكوكب، قاله عطاء بن أبي رباح، وعنى بذلك شأن الأنواء.
والرابع: فمنكم كافر بالله خلقه، ومؤمن بالله خلقه، حكاه الزجاج، والكفر بالخلق مذهب الدهرية، وأهل الطبائع. وما بعد هذا قد سبق إلى قوله عزّ وجلّ: وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ قال الزجاج:
أي: خلقكم أحسن الحيوان كلِّه. وقرأ الأعمش «صوركم» بكسر الصاد. ويقال في جمع الصورة:
صور، وصور، وصِور، كما يقال في جمع لحية: لِحىّ، ولُحىّ. وذكر ابن السائب أن معنى فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ أحكمها. وما بعد هذا ظاهر إِلى قوله تعالى: وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ روى المفضل عن عاصم «يسرُّون» و «يعلنون» بالياء فيهما أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ هذا خطاب لأهل مكة خوفهم ما نزل بالكفّار قبلهم، فذلك قوله عزّ وجلّ: فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ أي: جزاء أعمالهم، وهو ما أصابهم من العذاب في الدنيا وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في الآخرة ذلِكَ الذي أصابهم بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فينكرون ذلك، ويقولون: أَبَشَرٌ أي: ناس مثلنا يَهْدُونَنا والبشر اسم جنس معناه الجمع، وإن كان لفظه واحداً فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا أي: أعرضوا عن الإيمان وَاسْتَغْنَى اللَّهُ عن إيمانهم وعبادتهم.