(٢) قال الإمام الموفق رحمه الله في «المغني» ١٣/ ٣٣٠: أجمع العلماء على تحريم الميتة حالة الاختيار، وعلى إباحة الأكل منها في الاضطرار. وكذلك سائر المحرمات. والأصل في هذا قول الله تعالى: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ويباح له أكل ما يسدّ الرمق، ويأمن معه الموت، بالإجماع. ويحرم ما زاد على الشّبع، بالإجماع أيضا. وفي الشّبع روايتان أظهرهما، لا يباح. وهو قول أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن مالك وأحد القولين للشافعي. قال الحسن: يأكل قدر ما يقيمه، لأن الآية دلّت على تحريم الميتة، واستثنى ما اضطر إليه، فإذا اندفعت الضرورة لم يحل له الأكل، كحالة الابتداء، ولأنه بعد سدّ الرمق غير مضطرّ، فلم يحل له الأكل، للآية، يحققه أنه بعد سدّ رمقه كهو قبل أن يضطر، وثمّ لم يبح له الأكل كذا هاهنا. والثانية: يباح له الشبع. اختارها أبو بكر، لما روى جابر بن سمرة أن رجلا نزل الحرّة، فنفقت عنده ناقة، فقالت له امرأته: اسلخها، حتى نقدّد شحمها ولحمها، ونأكله. فقال حتى أسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسأله فقال: «هل عندك غنى يغنيك؟» . قال: لا. قال: «فكلوها» ولم يفرّق. رواه أبو داود ولأن ما جاز سد الرمق منه، جاز الشبع منه، كالمباح. ويحتمل أن يفرّق بين إذا ما كانت الضرورة مستمرة، وبين ما إذا كانت مرجوة الزوال فما كانت مستمرة، كحال الأعرابي الذي سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاز له الشّبع، لأنه إذا اقتصر على سدّ الرمق، عادت الضرورة إليه عن قرب، ولا يتمكن من البعد عن الميتة، مخافة الضرورة المستقبلية، ويفضي إلى ضعف بدنه، وربما أدى ذلك إلى تلفه. بخلاف التي ليست مستمرة، فإنه يرجو الغنى عنها بما يحلّ له. والله أعلم. إذا ثبت هذا، فإن الضرورة المبيحة، هي التي يخاف التلف بها إن ترك الأكل. قال أحمد: إذا كان يخشى على نفسه، سواء كان من جوع، أو يخاف إن ترك الأكل عجز المشي، وانقطع عن الرفقة فيهلك، أو يعجز عن الركوب فيهلك، ولا يتقيد ذلك بزمن محصور. وهل يجب الأكل من الميتة على المضطر؟ فيه وجهان: أحدهما يجب وهو قول مسروق، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي. قال الأثرم: سئل أبو عبد الله عن المضطر يجد الميتة، ولم يأكل؟. فذكر قول مسروق: فمن اضطر فلم يأكل ولم يشرب، فمات، دخل النار. وهذا اختيار ابن حامد. والثاني: لا يلزمه.