للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصابئون والنصارى كذلك أيضاً، وأنشدوا:

وإِلاَّ فاعلموا أنَّا وأنتم ... بُغاةٌ ما بقينا في شقاق «١»

المعنى: فاعلموا أنا بُغاة ما بقينا في شقاق، وأنتم أيضا كذلك.

[[سورة المائدة (٥) : آية ٧٠]]

لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (٧٠)

قوله تعالى: لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ قال مقاتل: أخذ ميثاقهم في التوراة بأن يعملوا بما فيها. قال ابن عباس: كان فيمن كُذِّبُوا. محمد وعيسى، وفيمن قتلوا: زكريا ويحيى. قال الزجاج:

فأما التكذيب، فاليهود والنصارى يشتركون فيه. وأمّا القتل فيختصّ اليهود.

[[سورة المائدة (٥) : آية ٧١]]

وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٧١)

قوله تعالى: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر: تَكُونَ بالنصب، وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي: «تكون» بالرفع، ولم يختلفوا في رفع «فتنة» . قال مكي بن أبي طالب: من رفع جعل «أن» مخفّفة من الثقيلة، وأضمر معها «الهاء» ، وجعل «حسبوا» بمعنى: أيقنوا، لأن «أن» للتأكيد، والتأكيد لا يجوز إِلا مع اليقين. والتقدير: أنه لا تكون فتنة. ومن نصب جعل «أن» هي الناصبة للفعل، وجعل «حسبوا» بمعنى: ظنوا. ولو كان قبل «أن» فعلٌ لا يصلح للشك، لم يجز أن تكون إِلا مخففة من الثقيلة، ولم يجز نصب الفعل بها، كقوله تعالى: أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ «٢» وعَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ «٣» . وقال أبو علي: الأفعال ثلاثة: فعلٌ يدلُ على ثبات الشيء واستقراره، نحو العلم والتيقّن، وفعلٌ يدلُ على خلاف الثبات والاستقرار، وفعلٌ يجذب إِلى هذا مرة، وإِلى هذا أُخرى، فما كان معناه العلم، وقعت بعده «أن» الثقيلة، لأن معناها ثبوت الشيء واستقراره، كقوله تعالى: وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ «٤» أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى «٥» ، وما كان على غير وجه الثبات والاستقرار نحو: أطمع وأخاف وأرجو، وقعت بعده «أن» الخفيفة، كقوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ «٦» تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ «٧» فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما «٨» أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي «٩» ، وما كان متردداً بين الحالين مثل حسبتُ وظننت، فإنه يُجعلُ تارةً بمنزلة العلم، وتارةً بمنزلة أرجو وأطمع، وكلتا القراءتين في وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ قد جاء بها التنزيل. فمثل مذهب من نصب: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ

«١٠» أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا «١١»


(١) البيت لبشر بن أبي خازم كما في «شواهد المعيني» ٢/ ٢٧١. [.....]
(٢) سورة طه: ٨٩.
(٣) سورة المزمل: ٢٠.
(٤) سورة النور: ٢٥.
(٥) سورة العلق: ١٤.
(٦) سورة البقرة: ٢٢٩.
(٧) سورة الأنفال: ٢٦.
(٨) سورة الكهف: ٨٠.
(٩) سورة الشعراء: ٨٢.
(١٠) سورة الجاثية: ٢١.
(١١) سورة العنكبوت: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>