للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الماء، فأصاب المسلمينَ الظمأُ، وجعلوا يصلّون محدِثين، وألقى الشيطان في قلوبهم الوسوسة، يقول:

تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلُّون محدِثين، فأنزل الله عليهم مطراً، فشربوا وتطَّهروا، واشتد الرمل حين أصابه المطر، وأزال الله رجز الشيطان، وهو وسواسه، حيث قال: قد غلبكم المشركون على الماء.

وقال ابن زيد: رجز الشيطان: كيده، حيث أوقع في قلوبهم أنه ليس لكم بهؤلاء القوم طاقة.

وقال ابن الأنباري: ساءهم عدم الماء عند فقرهم إليه، فأرسل الله السماء، فزالت وسوسة الشيطان التي تُكسب عذابَ الله وغضبه، إذ الرجز: العذاب.

قوله تعالى: وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ الربط: الشد. و «على» في قول بعضهم صلة، فالمعنى:

وليربط قلوبكم. وفي الذي ربط به قلوبهم وقوَّاها ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الصبر، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أنه الإيمان، قاله مقاتل. والثالث: أنه المطر الذي أرسله يثبِّت به قلوبهم بعد اضطرابها بالوسوسة التي تقدم ذكرها.

قوله تعالى: وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ في هاء «به» قولان: أحدهما: أنها ترجع إلى الماء فان الأرض كانت رَمِلة، فاشتدت بالمطر، وثبتت عليها الأقدام، قاله ابن عباس، ومجاهد، والسدي في آخرين.

والثاني: انها ترجع إلى الربط، فالمعنى: ويثبت بالربط الأقدام، ذكره الزّجّاج.

[سورة الأنفال (٨) : الآيات ١٢ الى ١٤]

إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤)

قوله تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ قال الزجاج: «إذ» في موضع نصب، والمعنى: وليربط إذ يوحي.

ويجوز أن يكون المعنى: واذكروا إذ يوحي. قال ابن عباس: وهذا الوحي إلهام. قوله تعالى: إِلَى الْمَلائِكَةِ وهم الذين أمدَّ بهم المسلمين. أَنِّي مَعَكُمْ بالعون والنصرة. فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا فيه أربعة أقوال: أحدها: قاتلوا معهم، قاله الحسن. والثاني: بشِّروهم بالنصر فكان الملك يسير أمام الصف في صورة الرجل، ويقول: أبشروا فان الله ناصركم، قاله مقاتل. والثالث: ثبِّتوهم بأشياء تُلْقُونها في قلوبهم تَقوى بها، ذكره الزجاج. والرابع: صححوا عزائمهم ونياتهم على الجهاد، ذكره الثعلبي. فأما الرعب، فهو الخوف. قال السائب بن يسار: كنا إذا سألنا يزيد بن عامر السُّوائيَّ عن الرعب الذي ألقاه الله في قلوب المشركين كيف؟ كان يأخذ الحصى فيرمي به الطَّست فيطِنُّ، فيقول: كنا نجد في أجوافنا مثل هذا.

قوله تعالى: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ في المخاطب بهذا قولان «١» : أحدهما: أنهم الملائكة. قال


(١) قال الطبري في «تفسيره» ٦/ ١٩٧: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أمر المؤمنين، فعلمهم كيفية قتل المشركين وضربهم بالسيف: أن يضربوا فوق الأعناق منهم والأيدي والأرجل وقوله فَوْقَ الْأَعْناقِ محتمل أن يكون مرادا به الرؤوس، ومحتمل أن يكون مرادا له: من فوق جلدة الأعناق: فيكون معناه: على.
الأعناق. وإذا احتمل ذلك صح قول من قال: معناه: الأعناق. وإذا كان الأمر محتملا ما ذكرنا في التأويل، لم يكن لنا أن نوجهه إلى بعض معانيه دون بعض، إلا بحجة يجب التسليم لها. ولا حجة تدل على خصوصه، فالواجب أن يقال: إن الله أمر بضرب رؤوس المشركين وأعناقهم وأيديهم وأرجلهم، أصحاب نبيه صلّى الله عليه وسلم الذين شهدوا معه بدرا اه.

<<  <  ج: ص:  >  >>