قوله تعالى: وَقالَ الْمَلِكُ يعني ملك مصر الأكبر إِنِّي أَرى يعني في المنام، ولم يقل:
رأيت، وهذا جائز في اللغة أن يقول القائل: أرى، بمعنى رأيت. قال وهب بن منبه: لما انقضت المدة التي وقّتها الله تعالى ليوسف في حبسه، دخل عليه جبريل إِلى السجن، فبشَّره بالخروج وملكِ مصر ولقاءِ أبيه، فلما أمسى الملك من ليلتئذ، رأى سبع بقرات سمان خرجن من البحر، في آثارهن سبع عجاف، فأقبلت العجاف على السمان، فأخذن بأذنابهن فأكلنهن إِلى القرنين، ولم يزد في العجاف شيء، ورأى سبع سنبلات خضر وقد أقبل عليهن سبع يابسات فأكلنهن حتى أتين عليهن، ولم يزدد في اليابسات شيء، فدعا أشراف قومه فقصها عليهم، فقالوا: أَضْغاثُ أَحْلامٍ. قال الزجاج: والعجاف: التي قد بلغت في الهزال الغاية. والملأ: الذين يُرجع إِليهم في الأمور ويقتدى برأيهم، واللام في قوله: لِلرُّءْيا دخلت على المفعول للتبيين، المعنى: إِن كنتم تعبرون. ثم بيّن باللام فقال:«للرؤيا» . ومعنى عبرتُ الرؤيا وعبَّرتها: أخبرت بآخر ما يؤول إِليه أمرها، واشتقاقه من عبر النهر، وهو شاطئ النهر، فتأويل عبرت النهر: بلغت إِلى عِبْره، أي: إِلى شطه، وهو آخر عرضه. وذكر ابن الأنباري في اللام قولين: أحدهما: أنها للتوكيد. والثاني: أنها أفادت معنى «إِلى» والمعنى: إن كنتم توجّهون العبارة إلى الرّؤيا.
قوله تعالى: قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ قال أبو عبيدة: واحدها ضِغث، مكسورة، وهي ما لا تأويل له من الرؤيا تراه جماعات، تُجمع من الرؤيا كما يُجمع الحشيش، فيقال: ضغث، أي: ملء كف منه.
وقال الكسائي: الأضغاث: الرؤيا المختلطة. وقال ابن قتيبة:«أضغاث أحلام» أي: أخلاط مثل أضغاث النبات يجمعها الرجل، فيكون فيها ضروب مختلفة. وقال الزجاج: الضغث في اللغة: الحزمة والباقة من الشيء، كالبقل وما أشبهه، فقالوا له: رؤياك أخلاط أضغاث، أي: حزم أخلاط، ليست برؤيا بيِّنه وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ أي: ليس للرؤيا المختلطة عندنا تأويل. وقال غيره: وما نحن بتأويل الأحلام الذي هذا وصفها بعالمين. والأحلام: جمع حُلُم، وهو ما يراه الإِنسان في نومه مما يصحّ ومما يبطل.