بني النضير وأخذ أموالهم، وقتل قريظة، وسبي ذراريهم، قاله ابن السائِب، ومقاتل. والثاني: الجزية، قاله السدي. والثالث: الخصب، قاله ابن قتيبة. والرابع: أن يؤمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم باظهار أمر المنافقين وقتلهم، قاله الزجاج. وفيما أسرُّوا قولان: أحدهما: موالاتهم. والثاني: قولهم: لعل محمّدا لا ينصر.
[[سورة المائدة (٥) : آية ٥٣]]
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣)
قوله تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا قرأ أبو عمرو، بنصب اللام على معنى: وعسى أن يقول.
ورفعه الباقون، فجعلوا الكلام مستأنفاً. وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: «يقول» ، بغير واو، مع رفع اللام، وكذلك في مصاحف أهل مكة والمدينة.
قال المفسرون: لما أجلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بني النضير، اشتد ذلك على المنافقين، وجعلوا يتأسفون على فراقهم، وجعل المنافق يقول لقريبه المؤمن إِذا رآه جادّاً في معاداة اليهود: أهذا جزاؤهم منك، طال والله ما أشبعوا بطنك؟ فلما قُتلت قريظة، لم يُطق أحدٌ من المنافقين ستر ما في نفسه، فجعلوا يقولون: أربعمائة حُصِدوا في ليلةٍ، فلما رأى المؤمنون ما قد ظهر من المنافقين، قالوا: أَهؤُلاءِ يعنون المنافقين الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ قال ابن عباس: أغلظوا في الأيمان. وقال مقاتل:
جَهْدَ أَيْمانِهِمْ القسم بالله. وقال الزجاج: اجتهدوا في المبالغة في اليمين إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ على عدوّكم حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ بنفاقهم.
[[سورة المائدة (٥) : آية ٥٤]]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤)
قوله تعالى: مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي:
يرتدَّ، بإدغام الدال الأولى في الأخرى، وقرأ نافع، وابن عامر: يرتدد، بدَّالين. قال الزجاج: «يرتدد» هو الأصل، لأن الثاني إِذا سُكِّن مِن المضاعف، ظهر التضعيف. فأما «يرتد» فأدغمت الدال الأولى في الثانية، وحرِّكت الثانية بالفتح، لالتقاء الساكنين. قال الحسن: علم الله أن قوماً يرجعون عن الإِسلام بعد موت نبيهم عليه السلام، فأخبرهم أنه سيأتي بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ. وفي المراد بهؤلاء القوم ستة أقوال «١» : أحدها: أبو بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الرّدَّة، قاله علي بن أبي طالب، والحسن عليهما السلام، وقتادة، والضحاك، وابن جريج. قال أنس بن مالك: كرهت الصحابة قتال مانِعي الزكاة، وقالوا: أهل القبلة، فتقلَّد ابو بكر سيفه، وخرج وحده، فلم يجدوا بُداً من الخروج على أثره.
والثاني: أبو بكر، وعمر، روي عن الحسن، أيضاً. والثالث: أنهم قومُ أبي موسى الأشعريّ.
(١) قال الإمام الطبري رحمه الله ٤/ ٦٢٦: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، ما روي به الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنهم أهل اليمن، قومُ أبي موسى الأشعري.