للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«عشاء» بضمّ العين. قال المفسّرون: جاءوا وقت العتمة ليكونوا أجرأ في الظلمة على الاعتذار بالكذب، فلما سمع صوتهم فزع، وقال: ما لكم يا بَنِيَّ، هل أصابكم في غنمكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فما اصابكم؟ وأين يوسف؟ قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: ننتضل، قاله ابن عباس، وابن قتيبة، قال: والمعنى، يسابق بعضنا بعضاً في الرمي. والثاني: نشتد، قاله السدي.

والثالث: نتصيد، قاله مقاتل. فيكون المعنى على الأول: نستبق في الرمي لننظر أينا أسبق سهماً وعلى الثاني: نستبق على الأقدام وعلى الثالث: للصيد.

قوله تعالى: وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا أي: ثيابنا. وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا أي: بمصدّق. وفي قوله تعالى: وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ قولان: أحدهما: أن المعنى: وإِن كنا قد صدقنا، قاله ابن إِسحاق.

والثاني: لو كنا عندك من أهل الصدق لاتّهمتنا في يوسف لمحبتك إِياه، وظننت أنا قد كذبناك، قاله الزّجّاج.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ١٨]]

وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨)

قوله تعالى: وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قال اللغويون: معناه: بدم مكذوب فيه، والعرب تجعل المصدر في كثير من الكلام مفعولاً، فيقولون للكذب مكذوب، وللعقل معقول، وللجلد مجلود، قال الشاعر:

حتَّى إِذا لَمْ يَتْرُكُوا لِعِظَامِهِ ... لَحْماً وَلاَ لِفُؤَادِهِ مَعْقُولاَ «١»

أراد: عقلاً. وقال الآخر:

قد والذي سَمَكَ السماءَ بِقُدْرَةٍ ... بُلغ العَزَاءُ وأُدْرِكَ المَجْلُوْدُ «٢»

يريد: أُدرك الجلد. ويقولون: ليس لفلان عقد رأي، ولا معقود رأي، ويقولون: هذا ماء سكْب، يريدون: مسكوباً، وهذا شراب صب، يريدون: مصبوباً، وماء غور، يعنون: غائراً، ورجل صوم، يريدون: صائماً، وامرأة نَوْح، يريدون: نائحة وهذا الكلام مجموع قول الفراء، والأخفش، والزجاج، وابن قتيبة في آخرين. قال ابن عباس: أخذوا جدياً فذبحوه، ثم غمسوا قميص يوسف في دمه، وأتوه به وليس فيه خرق، فقال: كذبتم، لو كان أكله الذئب لخرّق القميص. وقال قتادة: كان دم ظبية. وقرأ ابن أبي عبلة: «بدمٍ كذباً» بالنصب. وقرأ ابن عباس، والحسن، وأبو العالية: «بدم كدب» بالدال غير معجمة، أي: بدم طريّ.

قوله تعالى: بَلْ سَوَّلَتْ أي: زَيَّنَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً غير ما تصفون فَصَبْرٌ جَمِيلٌ قال الخليل: المعنى: فشأني صبر جَميل، والذي أعتقده صبر جميل. وقال الفراء: الصبر مرفوع، لأنه عزّى نفسه وقال: ما هو إِلا الصبر، ولو أمرهم بالصبر، لكان نصباً. وقال قطرب: المعنى: فصبري


(١) البيت للراعي النميري كما في «ديوانه» ١٣٧.
(٢) في «اللسان» سمك الشيء: رفعه فارتفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>