فبعث الله أهل الكهف ليعلموا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث والجزاء حَقٌّ وأن القيامة لا شك فيها، هذا قول الأكثرين. والثاني: أنهم أهل الكهف، بعثناهم ليرَوْا بعد علمهم أن وعد الله حق، ذكره الماوردي. قوله تعالى: إِذْ يَتَنازَعُونَ يعني: أهل ذلك الزمان. قال ابن الأنباري: المعنى: إِذ كانوا يتنازعون، ويجوز أن يكون المعنى: إِذ تنازعوا. وفي ما تنازعوا فيه خمسة أقوال: أحدها: أنهم تنازعوا في البنيان، والمسجد. فقال المسلمون: نبني عليهم مسجداً، لأنهم على ديننا وقال المشركون: نبني عليهم بنياناً، لأنهم من أهل سُنَّتنا، قاله ابن عباس. والثاني: أنهم تنازعوا في البعث، فقال المسلمون:
تُبعث الأجساد والأرواح، وقال بعضهم: تُبعث الأرواح دون الأجساد، فأراهم الله تعالى بعث الأرواح والأجساد ببعثه أهل الكهف، قاله عكرمة. والثالث: أنهم تنازعوا ما يصنعون بالفتية، قاله مقاتل.
والرابع: أنهم تنازعوا في قدْر مكثهم. والخامس: تنازعوا في عددهم، ذكرهما الثعلبي. قوله تعالى:
ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً أي: استروهم من الناس بأن تجعلوهم وراء ذلك البنيان. وفي القائلين لَهذا قولان:
أحدهما: أنهم مشركو ذلك الزمان، وقد ذكرناه عن ابن عباس. والثاني: أنهم الذين أسلموا حين رأوا أهل الكهف، قاله ابن السائب. قوله تعالى: قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ قال ابن قتيبة: يعني المُطاعين والرؤساء، قال المفسرون: وهم الملك وأصحابه المؤمنين اتخذوا عليهم مسجداً. قال سعيد بن جبير:
بنى عليهم الملك بيعة.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤)
قوله تعالى: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ قال الزجاج: ثَلاثَةٌ مرفوع بخبر الابتداء، المعنى: سيقول الذين يتنازعون في أمرهم هم ثلاثةٌ. وفي هؤلاء القائلين قولان:
(٩٢٩) أحدهما: أنهم نصارى نجران، ناظروا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في عِدَّة أهل الكهف، فقالت الملكيَّة: هم ثلاثة رابعهم كلبهم، وقالت اليعقوبية: هم خمسة سادسهم كلبهم، وقالت النسطورية: هم سبعة وثامنهم كلبهم، فنزلت هذه الآية: رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: أنهم أهل مدينتهم قبل ظهورهم عليهم، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: رَجْماً بِالْغَيْبِ أي: ظنّاً غير يقين، قال زهير:
ومَا الحَرْبُ إِلاَّ ما علمْتُمْ وَذُقْتُمُ ... ومَا هُوَ عَنْهَا بالحَدِيثِ المُرَجَّمِ
فأما دخول الواو في قوله: وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ولم تدخل فيما قبل هذا، ففيه أربعة أقوال:
أحدها: أن دخولها وخروجها واحد، قاله الزجاج. والثاني: أن ظهور الواو في الجملة الثامنة دلالة على
باطل. عزاه المصنف للضحاك عن ابن عباس، والضحاك لم يلق ابن عباس، ثم إن الراوي عن الضحاك على الدوام إنما هو جويبر ذاك المتروك.