دعا موسى، فخرج فرعون في ستمائة ألف وعشرين ألفاً عليهم الحديد «١» ، فأخذته بنو إِسرائيل يمثِّلون به. وذكر غيره أنه إِنما أخرج من البحر وحده دون أصحابه. وقال ابن جريج: كذَّب بعض بني إِسرائيل بغرقه، فرمى به البحر على ساحل البحر حتى رآه بنو إِسرائيل قُصَيِّراً أحمر كأنه ثور. وقال أبو سليمان:
عرفه بنو إِسرائيل بدرع كان له من لؤلؤ لم يكن لأحد مثلها. فأما وجهه فقد غيَّره سخط الله تعالى.
والثالث: أنه كان يدَّعي أنه ربٌّ، وكان يعبده قوم، فبيَّن الله تعالى أمره، فأغرقه وأصحابه، ثم أخرجه من بينهم، قاله الزجاج.
وفي قوله تعالى: بِبَدَنِكَ أربعة أقوال: أحدها: بجسدك من غير روح، قاله مجاهد. وذِكر البدن دليل على عدم الروح. والثاني: بدرعك، قاله أبو صخر. وقد ذكرنا أنه كانت له درع من لؤلؤ، وقيل: من ذهب، فعُرِف بدرعه. والثالث: نلقيك عرياناً، قاله الزجاج. والرابع: ننجِّيك وحدك، قاله ابن قتيبة. وفي قوله: لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ثلاثة أقوال: أحدها: لتكون لمن بعدك في النكال آية لئلا يقولوا مثل مقالتك، فإنك لو كنت إِلهاً ما غرقت، قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال أبو عبيدة:
خَلْفَكَ بمعنى بعدك، والآية: العلامة. والثاني: لتكون لبني إِسرائيل آية، قاله السدي. والثالث: لمن تخلّف من قومه، لأنهم أنكروا غرقه على ما ذكرنا في أول الآية، فخرج في معنى الآية قولان:
أحدهما: عبرة للناس. والثاني: علامة تدل على غرقه. وقال الزجاج: الآية أنه كان يدَّعي أنه ربٌّ، فبان أمره، وأخرج من بين أصحابه لما غرقوا. وقرأ ابن السميفع، وابو المتوكل، وأبو الجوزاء «لمن خلقك» بالقاف.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٩٣ الى ٩٧]
وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧)
قوله تعالى: وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ أي: أنزلناهم منزل صدق، أي منزلاً كريما. وفي المراد ببني إِسرائيل قولان. أحدهما: أصحاب موسى. والثاني: قريظة والنضير. وفي المراد بالمنزل الذي أُنزلوه خمسة أقوال: أحدها: أنه الأردن، وفلسطين، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: الشام، وبيت المقدس، قاله الضحاك وقتادة. والثالث: مصر، روي عن الضحاك أيضاً. والرابع: بيت المقدس، قاله مقاتل. والخامس: ما بين المدينة والشام من أرض يثرب، ذكره علي بن أحمد النيسابوري. والمراد بالطيبات: ما أُحل لهم من الخيرات الطيبة. فَمَا اخْتَلَفُوا يعني بني إسرائيل. قال ابن عباس: ما اختلفوا في محمد، لم يزالوا به مصدِّقين، حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ يعني: القرآن، وروي عنه:
حتى جاءهم العلم، يعني محمداً. فعلى هذا يكون العلم ها هنا: عبارة عن المعلوم. وبيان هذا أنه لما
(١) فيه مبالغة من حيث عدد جيش فرعون، والظاهر أنه من مجازفات الإسرائيليين.