للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: وَجَعَلْناهُ مَثَلًا أي: آية وعبرة لِبَنِي إِسْرائِيلَ يعرِفون به قُدرة الله على ما يريد، إِذ خلَقه من غير أب. ثم خاطب كفار مكة، فقال: وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ فيه قولان:

أحدهما: أن المعنى: لَجَعَلْنا بدلاً منكم ملائكةً ثم في معنى «يَخْلُفُونَ» ثلاثة أقوال: أحدها:

يخلُف بعضُهم بعضاً، قاله ابن عباس. والثاني: يخلُفونكم ليكونوا بدلاً منكم، قاله مجاهد. والثالث:

يخلُفون الرُّسل فيكونون رسلاً إِليكم بدلاً منهم، حكاه الماوردي.

والقول الثاني: أن المعنى: «ولو نشاء لجَعَلْنا منكم ملائكة» أي: قَلَبْنَا الخِلقة فجَعَلْنا بعضَكم ملائكةً يخلُفون مَنْ ذهب منكم، ذكره الماوردي.

قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ في هاء الكناية قولان: أحدهما: أنها تَرْجِع إِلى عيسى عليه السلام. ثم في معنى الكلام قولان: أحدهما: نزولُ عيسى من أشراط الساعة يُعْلَم به قُربها، وهذا قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي. والثاني: أن إحياءَ عيسى الموتى دليلٌ على الساعة وبعث الموتى، قاله ابن إِسحاق. والقول الثاني: أنها تَرْجِع إلى القرآن، قاله الحسن وسعيد بن جبير. وقرأ الجمهور: «لَعِلْمٌ» بكسر العين وتسكين اللام وقرأ ابن عباس وأبو رزين وأبو عبد الرحمن وقتادة وحميد وابن محيصن بفتحهما. قال ابن قتيبة: من قرأ بكسر العين فالمعنى أنه يُعْلَم به قُرْبُ الساعة، ومن فتح العين واللام فإنه بمعنى العلامة والدليل.

قوله تعالى: فَلا تَمْتَرُنَّ بِها أي: فلا تَشُكُّنًّ فيها وَاتَّبِعُونِ على التوحيد هذا الذي أنا عليه صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ. وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قد شرحنا هذا في سورة البقرة «١» . قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وفيها قولان: أحدهما: النُّبوَّة، قاله عطاء، والسدي. والثاني: الإِنجيل، قاله مقاتل.

وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ أي: من أمر دينكم وقال مجاهد: «بعضَ الذي تختلفون فيه» من تبديل التوراة وقال ابن جرير: من أحكام التوراة. وقد ذهب قوم إِلى أن البعض هاهنا بمعنى الكُلّ.

وقد شرحنا ذلك في حم المؤمن «٢» قال الزجاج: والصحيح أن البعض لا يكون في معنى الكُلّ، وإِنما بيَّن لهم عيسى بعض الذي اختلَفوا فيه ممّا احتاجوا إِليه وقد قال ابن جرير: كان بينهم اختلاف في أمر دينهم ودنياهم، فبيَّن لهم أمر دينهم فقط. وما بعد هذا قد سبق بيانه «٣» إلى قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ يعني كفار مكة.

[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٦٧ الى ٧٣]

الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧) يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١)

وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٣)

قوله تعالى: الْأَخِلَّاءُ أي في الدنيا يَوْمَئِذٍ أي في القيامة بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ لأن الخُلَّة إِذا كانت في الكفر والمعصية صارت عداوةً يومَ القيامة وقال مقاتل: نزلت في أميّة بن خلف وعقبة بن


(١) البقرة: ٨٧.
(٢) غافر: ٢٨.
(٣) النساء: ١٧٥- مريم: ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>