للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مؤخَّر أحد قدميها مثل حافر الدابة، وقال مجاهد: كان قدماها كحافر الحمار. وقال ابن السائب: لم يكن بقدميها شيء، إِنما وقع الجنُّ فيها عند سليمان بهذا القول، فلمَّا جعل لها الصرح بان له كذبُهم. قال مقاتل: كان ارتفاع عرشها ثمانين ذراعاً في عرض ثمانين، وكانت أُمُّها من الجنّ «١» . قال ابن جرير: وإِنما صار هذا الخبر عُذْراً للهدهد، لأن سليمان كان لا يرى لأحد في الأرض مملكة سواه، وكان مع ذلك يحبُّ الجهاد، فلمَّا دلَّه الهدهد على مملكةٍ لغيره، وعلى قومٍ كَفَرة يجاهدهم، صار ذلك عذرا.

قوله تعالى: أَلَّا يَسْجُدُوا قرأ الأكثرون: «ألاَّ» بالتشديد. قال الزجاج: والمعنى: وزيَّن لهم الشيطان ألاَّ يسجدوا، أي: فصدَّهم لئلاَّ يسجُدوا. وقرأ ابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، والزهري وقتادة، وأبو العالية، وحميد الأعرج، والأعمش، وابن أبي عبلة، والكسائي: «ألا يسجُدوا» مخفَّفة، على معنى: ألا يا هؤلاء اسجُدوا، فيكون في الكلام إِضمار «هؤلاء» ويُكتفى منها ب «يا» ، ويكون الوقف «ألا يا» والابتداء «اسجدوا» قال الفراء: فعلى هذه القراءة هي سجدة، وعلى قراءة من شدَّد لا ينبغي لها أن تكون سجدة. وقال أبو عبيدة: هذا أمر من الله مستأنَف، يعني: ألا يا أيُّها الناس اسجدوا. وقرأ ابن مسعود، وأُبيُّ: «هلاَّ يسجدوا» بهاءٍ.

قوله تعالى: الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قال ابن قتيبة: أي: المُسْتَتِر فيهما، وهو من خَبَأْتُ الشيءَ: إِذا أخفيته، ويقال: خبْءُ السموات: المطر، وخبءُ الأرض: النبات. وقال الزجاج:

كل ما خَبَأته فهو خَبْءُ، فالخَبْءُ: كُلُّ ما غاب فالمعنى: يعلم الغيب في السموات والأرض. وقال ابن جرير: «في» بمعنى «مِنْ» فتقديره: يُخرج الخَبْءَ من السموات.

قوله تعالى: وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ قرأ حفص عن عاصم، والكسائي، بالتاء فيهما. وقرأ الباقون بالياء. قال ابن زيد: من قوله: أَحَطْتُ إِلى قوله: الْعَظِيمِ كلام الهدهد. وقرأ الضّحّاك، وابن محيصن: «العظيم» برفع الميم.

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٢٧ الى ٣١]

قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (٢٨) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١)

فلما فرغ الهدهد من كلامه قالَ سَنَنْظُرُ فيما أخبرتَنا به أَصَدَقْتَ فيما قلتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ وإِنما شَكَّ في خبره، لأنه أنكر أن يكون لغيره في الأرض سلطان. ثم كتب كتاباً وختمه بخاتَمه ودفعه إِلى الهدهد وقال: اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ قرأ ابن كثير، وابن عامر، والكسائي: «فأَلْقِهي» موصولة بياء. وقرأ أبو عمرو، وعاصم، وأبو جعفر، وحمزة: «فأَلْقِهْ» بسكون الهاء، وروى قالون عن نافع: كسر الهاء من غير إِشباع ويعني: إِلى أهل سبأ، ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فيه قولان: أحدهما: أَعْرِض. والثاني: انْصَرِف، فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ أي: ماذا يَرُدُّون من الجواب. فإن قيل: إِذا تولَّى عنهم فكيف يعلم جوابهم؟ فعنه جوابان «٢» : أحدهما: أن المعنى: ثم تولّ عنهم مستترا


(١) هذا وما قبله وأمثالها من الإسرائيليات المنكرة. [.....]
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ٤٤٨: كتب سليمان كتابا إلى بلقيس وقومها. وأعطاه للهدهد فحمله وجاء قصر بلقيس إلى الخلوة التي كانت تختلي فيها بنفسها فألقاه إليها من كوة هناك بين يديها، ثم تولى ناحية أدبا ورئاسة فتحيرت مما رأت وهالها ذلك، ثم عمدت إلى الكتاب، وقرأته وفتحت ختمه، فجمعت عند ذلك أمراءها ووزراءها وكبراء دولتها ومملكتها، ثم قالت: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ تعني بكرمه ما رأته من عجيب أمره، كون الطائر أتى به فألقاه إليها ثم تولى عنها أدبا وهذا أمر لا يقدر عليه أحد من الملوك، ولا سبيل لهم إلى ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>