عليكم. ومن موجبات الحسرة: قطع الرجاءِ عند إِطباق النار على أهلها.
قوله تعالى: إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ قال ابن الأنباري: «قُضي» في اللغة بمعنى: أُتقن وأُحكم، وإِنما سمِّي الحاكم قاضياً، لإِتقانه وإِحكامه ما ينفِّذ. وفي الآية اختصار، والمعنى: إِذ قضي الأمر الذي فيه هلاكهم. وللمفسرين في الأمر قولان: أحدهما: أنه ذبح الموت، قاله ابن جريج، والسدي. والثاني:
أن المعنى: قُضي العذاب لهم، قاله مقاتل.
قوله تعالى: وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ هم في الدنيا في غفلة عما يُصنَع بهم ذلك اليوم وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بما يكون في الآخرة.
قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ أي: نُميت سكَّانها فنرثها وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ بعد الموت. فإن قيل: ما الفائدة في «نحن» وقد كفت عنها «إنّا» ؟. فالجواب: أنه لما جاز في قول المعظّم: «إنّا نفعل» أن يتوهّم أنّ أتباعه فعلوا، وأبانت «نحن» بأن الفعل مضاف إِليه حقيقة. فإن قيل:
فلم قال: «ومَنْ عليها» وهو يرث الآدميين وغيرهم؟! فالجواب: أن «مَنْ» تختص أهل التمييز، وغيرُ المميِّزين يدخلون في معنى الأرض ويجرون مجراها، ذكر الجوابين عن السؤالين ابن الأنباري.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٤١ الى ٥٠]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (٤٤) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (٤٥)
قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠)
قوله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ أي: اذكر لقومك قصته. وقد سبق معنى الصِّدِّيق «١» .
قوله تعالى: وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً
أي: لا يدفع عنكَ ضرّاً.
قوله تعالى: إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ بالله والمعرفة ما لَمْ يَأْتِكَ.
قوله تعالى: لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ أي: لا تُطعه فيما يأمر به من الكفر والمعاصي. وقد شرحنا معنى «كان» آنفا. وعَصِيًّا أي: عاصياً، فهو «فعيل» بمعنى «فاعل» .
قوله تعالى: إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ قال مقاتل: في الآخرة وقال غيره: في الدنيا، فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا أي: قريبا في عذاب الله، فجرت المقارنة مجرى الموالاة. وقيل: إِنما طمع إِبراهيم في إِيمان أبيه، لأنه حين خرج من النار قال له: نِعْمَ الإِله إِلهك يا إِبراهيم، فحينئذ أقبل يعظه، فأجابه أبوه: أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ! أي: أتارك عبادتها انت؟! لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ عن
(١) سورة النساء: ٦٩.