للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقمرُ والنجومُ مسخراتٌ» ، رفعاً كله، وروى حفص عن عاصم: بالنصب كالجمهور إِلاّ قوله تعالى: وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ فإنه رفعها.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ١٣ الى ١٦]

وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤) وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦)

قوله تعالى: وَما ذَرَأَ لَكُمْ أي: وسخر ما ذرأ لكم. وذرأ بمعنى: خلق. وسَخَّرَ الْبَحْرَ أي: ذلَّله للركوب والغوص فيه لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا يعني: السمك وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها يعني: الدُّر، واللؤلؤ، والمرجان، وفي هذا دلالة على أن حالفاً لو حلف: لا يلبس حُلِيّاً، فلبس لؤلؤاً، أنه يحنث، وقال أبو حنيفة: لا يحنث. قوله تعالى: وَتَرَى الْفُلْكَ يعني:

السفن. وفي معنى مَواخِرَ قولان: أحدهما: جواري، قاله ابن عباس. قال اللغويون: يقال:

مخرت السفينة مَخْراً: إِذا شقت الماء في جريانها. والثاني: المواخر، يعني: المملوءة، قاله الحسن.

وفي قوله تعالى: وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ قولان: أحدهما: بالركوب فيه للتجارة ابتغاء الربح من فضل الله؟! والثاني: بما تستخرجون من حليته، وتصيدون من حيتانه. قال ابن الأنباري: وفي دخول الواو في قوله تعالى: وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وجهان: أحدهما: أنها معطوفة على لامٍ محذوفة تقديره: وترى الفلك مواخر فيه لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا. والثاني: أنها دخلت لفعل مضمر، تقديرهُ:

وفعل ذلك لكي تبتغوا.

قوله تعالى: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أي: نصب فيها جبالاً ثوابت أَنْ تَمِيدَ أي: لئلاَّ تميد، وقال الزجاج: كراهة أن تميد، يقال: ماد الرجل يميد مَيْداً: إِذا أُدير به، وقال ابن قتيبة: الميد: الحركة والمَيْل، يقال: فلان يميد في مشيته، أي: يتكفَّأ. قوله تعالى: وَأَنْهاراً قال الزجاج: المعنى: وجعل فيها سُبُلاً، لأن معنى «ألقى» : «جعل» ، فأمّا السّبل، فهي الطّرق، لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أي: لكي تهتدوا إِلى مقاصدكم. قوله تعالى: وَعَلاماتٍ فيها ثلاثة أقوال «١» : أحدها: أنها معالم الطّرق بالنهار، وبالنّجم هم يهتدون بالليل، رواه العوفي عن ابن عباس. والثاني: أنها النّجوم أيضا، منها ما يكون


(١) قال الإمام الطبري رحمه الله ٧/ ٥٧٢: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره عدّد على عباده من نعمه، إنعامه عليهم بما جعل لهم من العلامات التي يهتدون بها في مسالكهم وطرقهم التي يسيرونها، ولم يخصص بذلك بعض العلامات دون بعض، فكل علامة استدل بها الناس على طرقهم وفجاج سبلهم، فداخل في قوله وَعَلاماتٍ والطرق المسبولة: الموطوءة، علامة للناحية المقصودة، والجبال علامات يهتدى بهن إلى قصد السبيل، وكذلك النجوم بالليل. غير أن الذي أولى بتأويل الآية أن تكون العلامات من أدلة النهار إذ كان الله قد فصل منها أدلة الليل بقوله وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ، وإذ كان ذلك أشبه وأولى بتأويل الآية، فالواجب أن يكون القول في ذلك ما قاله ابن عباس في الخبر الذي رويناه وهو أن العلامات معالم الطرق وأماراتها التي يهتدى بها إلى المستقيم منها نهارا، وأن يكون النجم الذي يهتدى به ليلا هو الجدي والفرقدان. لأن بها اهتداء السفر دون غيرها من النجوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>