للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرِّسالة إِليه، فقال: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ؟! قال المفسرون: ومعنى الآية: أبأيديهم مفاتيحُ النُّبوَّة فيضعونها حيث شاؤوا؟! والمعنى: ليست بأيديهم، ولا مُلْكُ السموات والأرض لهم، فإن ادّعَوْا شيئاً من ذلك فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ قال سعيد بن جبير: أي في أبواب السماء. وقال الزجاج: فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء.

قوله تعالى: جُنْدٌ أي: هُمْ جُنْدٌ. والجُند: الأَتباع فكأنه قال: هُمْ أَتباعٌ مقلّدون ليس فيهم عالم راشد. وما زائدة، وهُنالِكَ إِشارة إِلى بدر. والأحزاب: جميع مَنْ تقدَّمهم من الكفّار الذي تحزَّبوا على الأنبياء. قال قتادة: أخبر اللهُ نبيَّه وهو بمكة أنه سيَهْزِمُ جُند المشركين، فجاء تأويلها يوم بدر.

[سورة ص (٣٨) : الآيات ١٢ الى ١٥]

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (١٤) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥)

قوله تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ قال أبو عبيدة: قَوْمٌ من العرب يؤنِّثون «القوم» ، وقوم يذكِّرون، فإن احتُجَّ عليهم بهذه الآية، قالوا: وقع المعنى على العشيرة، واحتَجُّوا بقوله تعالى: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ «١» ، قالوا: والمُضْمَر مذكَّر.

قوله تعالى: وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ فيه ستة أقوال «٢» : أحدها: أنه كان يعذِّب الناس بأربعة أوتاد يَشُدُّهم فيها، ثُمَّ يرفع صخرة فتُلقى على الإِنسان فتَشْدَخُه، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وكذلك قال الحسن، ومجاهد: كان يعذِّب الناسَ بأوتاد يُوتِدُها في أيديهم وأرجُلهم. والثاني: أنه ذو البِناء المُحْكَم، روي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال الضحاك، والقرظي، واختاره ابن قتيبة، قال: والعرب تقول: هُمْ في عزٍّ ثابتِ الأوتاد، ومُلكٍ ثابتِ الأوتاد، يريدون أنه دائم شديد، وأصل هذا، أن البيت من بيوتهم يثبتُ بأوتاد، قال الأسود بن يعفر:

في ظِلِّ مُلْكٍ ثَابِتِ الأَوْتادِ «٣»

والثالث: أن المراد بالأوتاد: الجنودُ، رواه عطية عن ابن عباس، وذلك أنهم كانوا يَشُدُّونَ مُلكه ويُقَوُّون أمره كما يقوِّي الوَتِدُ الشيءَ. والرابع: أنه كان يبني مَناراً يذبح عليها الناس. والخامس: أنه كان له أربع أسطوانات، فيأخذ الرَّجُلَ فيمُدُّ كلَّ قائمة إِلى أُسْطوانة فيعذِّبه، روي القولان عن سعيد بن جبير.

والسادس: أنه كانت له أوتاد وأرسان وملاعب يُلعَب له عليها، قاله عطاء، وقتادة.

ولمّا ذكر المكذّبين، قال: أُولئِكَ الْأَحْزابُ فأعَلمنا أن مشركي قريش من هؤلاء «٤» ، وقد عذّبوا


(١) عبس: ١١.
(٢) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١٠/ ٥٥٦: وأشبه الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني بذلك الأوتاد، إما لتعذيب الناس، وإما للعب كان يلعب له بها، وذلك أن ذلك هو المعروف من معنى الأوتاد.
(٣) هو عجز بيت وصدره: ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة.
(٤) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١٠/ ٥٥٧: وقوله تعالى: أُولئِكَ الْأَحْزابُ يقول تعالى ذكره: هؤلاء الجماعات المجتمعة، والأحزاب المتحزبة على معاصي الله والكفر به، الذين منهم يا محمد مشركو قومك وهم مسلوك بهم سبيلهم، إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ يقول: ما كل هؤلاء الأمم إلا كذب لرسل الله فحق عليهم العذاب. وقال ابن كثير رحمه الله: فليحذر المخاطبون من ذلك أشد الحذر، لأن الله تعالى جعل علة هلاكهم هو تكذيبهم بالرسل.

<<  <  ج: ص:  >  >>