للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن جمع الطلاق الثلاث في طهر واحد، فالمنصوص من مذهبنا أنه بدعة.

قوله تعالى: وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ أي: زمان العدّة. وفي إحصائه فوائد. منها: مراعاة زمان الرجعة، وأوان النفقة، والسّكنى، وتوزيع الطّلاق على الإقراء إذا أراد أن يطلِّق ثلاثاً، ولِيَعْلَمَ أنها قد بانت، فيتزوّج بأختها، وأربع سواها.

قوله عزّ وجلّ: وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ أي: فلا تعصوه فيما أمركم به. لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ فيه دليل على وجوب السكنى. ونسب البيوت إليهن، لسكناهن قبل الطلاق فيهن، ولا يجوز لها أن تخرج في عدتها إلا لضرورة ظاهرة. فإن خرجت أثِمتْ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ وفيها أربعة أقوال «١» :

أحدها: أنّ المعنى: إلا أن يخرجن قبل انقضاء المدة، فخروجهن هو الفاحشة المبّينة، وهذا قول عبد الله بن عمر، والسدي، وابن السائب. والثاني: أن الفاحشة: الزنا، رواه مجاهد، عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والشعبي، وعكرمة، والضحاك. فعلى هذا يكون المعنى: إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحدّ عليهنّ. والثالث: أنّ الفاحشة: أن تبدو على أهله، فيحلُّ لهم إخراجها، رواه محمد بن إبراهيم عن ابن عباس. والرابع: أنها إصابة حدٍّ، فتخرج لإقامة الحدّ عليها، قاله سعيد بن المسيّب.

قوله عزّ وجلّ: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يعني: ما ذكر من الأحكام وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ التي بيَّنها، وأمر بها فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ أي: أثم فيما بينه وبين الله تعالى لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً أي: يُوقع في قلب الزوج المحبَّة لرجعتها بعد الطَّلْقة والطلقتين. وهذا يدل على أن المستحب في الطلاق تفريقه، وأن لا يجمع الثلاث.

[سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ٢ الى ٣]

فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (٣)

قوله عزّ وجلّ: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ أي: قاربن انقضاء العدة فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وهذا مبيَّن في البقرة «٢» وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ قال المفسرون: أشهدوا على الطلاق، أو المراجعة. واختلف العلماء: هل الإشهاد على المراجعة واجب، أم مستحب؟ وفيه عن أحمد روايتان، وعن الشافعي قولان، ثم قال للشهداء: وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ أي: اشهدوا بالحق، وأدّوها على الصحة، طلبا لمرضاة الله تعالى، وقياماً بوصيَّته. وما بعده قد سبق بيانه إلى قوله عزّ وجلّ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً.


(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٤٤٦: وقوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ أي لا يخرجن من بيوتهن إلا أن ترتكب المرأة فاحشة فتخرج من المنزل، قال: الفاحشة المبينة، تشمل الزنا كما قاله ابن مسعود وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والشعبي، والحسن، وابن سيرين ومجاهد وعكرمة، وغيرهم. قال:
وتشمل ما إذا نشزت المرأة، أو بذؤت على أهل الرجل، وآذتهم في الكلام والفعال، كما قاله أبيّ بن كعب وابن عباس وغيرهم.
(٢) البقرة: ٢٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>