للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسميت الريح العقيم بهذا الاسم، لأنها لا تأتي بالسحاب الممطر، فقيل لهذا اليوم: عقيم، لأنه لم يأت بخير.

فعلى قول من قال: هو يوم بدر في تسميته بالعقيم ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لم يكن فيه للكفار بركة ولا خير، قاله الضحاك. والثاني: لأنهم لم يُنْظَروا فيه إِلى الليل، بل قُتلوا قبل المساء، قاله ابن جريج. والثالث: لأنه لا مثْل له في عِظَم أمره، لقتال الملائكة فيه، قاله يحيى بن سلام. وعلى قول من قال: هو يوم القيامة، في تسميته بذلك قولان: أحدهما: لأنه لا ليلة له، قاله عكرمة. والثاني: لأنه لا يأتي المشركين بخير ولا فرج، ذكره بعض المفسّرين.

[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٥٦ الى ٥٩]

الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٥٧) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩)

قوله تعالى: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ أي: يوم القيامة لِلَّهِ من غير منازع ولا مدَّع يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ أي: بين المسلمين والمشركين وحكمه بينهم بما ذكره في تمام الآية وما بعدها. ثم ذكر فضل المهاجرين فقال: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي: من مكة إِلى المدينة. وفي الرزق الحسن قولان: أحدهما: أنه الحلال، قاله ابن عباس. والثاني: رزق الجنة، قاله السّدّيّ. قوله تعالى: ثُمَّ قُتِلُوا وقرأ ابن عامر: «قُتِّلوا» بالتشديد قوله تعالى: لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا وقرأ نافع بفتح الميم برضوانه يعني: الجنة. والمدخل يجوز أن يكون مصدرا، فيكون المعنى: ليدخلنهم إدخالاً يكرمون به فيرضونه ويجوز أن يكون بمعنى المكان. و «مَدخلاً» بفتح الميم على تقدير: فيدخلون مدخلاً.

وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ بنيّاتهم حَلِيمٌ عنهم.

[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٦٠ الى ٦٢]

ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢)

قوله تعالى: ذلِكَ قال الزجاج: المعنى: الأَمْرُ ذلك، أي: الأمر ما قصصنا عليكم وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ والعقوبة: الجزاء والأول ليس بعقوبة، ولكنه سمي عقوبةً، لاستواء الفعلين في جنس المكروه، كقوله: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها «١» لما كانت المجازاة إِساءة بالمفعول به سمِّيت سيّئة، ومثله: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ «٢» قاله الحسن، ومعنى الآية: من قاتل المشركين كما قاتلوه ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ أي: ظُلم باخراجه عن منزله. وزعم مقاتل أن سبب نزول هذه الآية أن مشركي مكة لقوا المسلمين لليلةٍ بقيت من المحرَّم، فقاتلوهم، فناشدهم المسلمون أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام، فأبوا إلّا القتال،


(١) سورة الشورى: ٤٠.
(٢) سورة البقرة: ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>