للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: تلا، قاله الأكثرون، وأنشدوا:

تمنَّى كتابَ اللهِ أوّل ليلهِ ... وآخرَه لاقى حِمامَ المقادِرِ

وقال آخر:

تمنَّى كتابَ الله آخرَ ليلِه ... تمنِّيَ داودَ الزبورَ على رِسْلِ

والثاني: أنه من الأمنية، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم تمنى يوماً أن لا يأتيه من الله شيء ينفر عنه به قومُه، فألقى الشيطان على لسانه لِما كان قد تمناه، قاله محمد بن كعب القرظي.

قوله تعالى: فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ أي: يُبطله ويُذهبه ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ قال مقاتل: يُحْكِمُها من الباطل. قوله تعالى: لِيَجْعَلَ اللام متعلقة بقوله: أَلْقَى الشَّيْطانُ، والفتنة ها هنا بمعنى البلية والمحنة. والمرضُ: الشك والنفاق. وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ يعني: الجافية عن الإِيمان. ثم أعلمه أنهم ظالمون وأنهم في شقاق دائم، والشقاق: غاية العداوة.

قوله تعالى: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وهو التوحيد والقرآن، وهم المؤمنون. وقال السدي:

التصديق بنسخ الله. قوله تعالى: أَنَّهُ الْحَقُّ إِشارة إِلى نسخ ما يلقي الشيطان فالمعنى: ليعلموا أن نسخ ذلك وإِبطاله حق من الله فَيُؤْمِنُوا بالنسخ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ أي: تخضع وتَذِلّ. ثم بيَّن بباقي الآية أن هذا الإِيمان والإِخبات إِنما هو بلطف الله وهدايته..

قوله تعالى: فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ أي: في شكّ. وفي هاء «منه» أربعة أقوال «١» : أحدها: أنها ترجع إِلى قوله: تلك الغرانيق العلى. والثاني: أنها ترجع إِلى سجوده في سورة النجم. والقولان عن سعيد بن جبير، فيكون المعنى: إِنهم يقولون: ما بالُه ذكر آلهتنا ثم رجع عن ذكرها؟! والثالث: أنها ترجع إِلى القرآن، قاله ابن جريج. والرابع: أنها ترجع إِلى الدِّين، حكاه الثعلبي. قوله تعالى: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وفيها قولان: أحدهما: القيامة تأتي مَنْ تقوم عليه من المشركين، قاله الحسن. والثاني: ساعة موتهم، ذكره الواحدي. قوله تعالى: أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ فيه قولان «٢» : أحدهما: أنه يوم بدر، روي عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي. والثاني: أنه يوم القيامة، قاله عكرمة، والضحاك. وأصل العقم في الولادة، يقال: امرأة عقيم لا تلد، ورجل عقيم لا يولد له وأنشدوا:

عُقْمِ النِّساءُ فلا يَلِدْنَ شَبْيَهه ... إِن النِّساءَ بمثْلِه عقم


(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٩/ ١٨٠: وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: هي كناية من ذكر القرآن الذي أحكم الله آياته وذلك أن ذلك من ذكر قوله وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ أقرب منه من ذكر قوله فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ والهاء في قوله أنه من ذكر القرآن، فإلحاق الهاء في قوله فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ بالهاء من قوله أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ أولى من إلحاقها بما التي في قوله ما يُلْقِي الشَّيْطانُ مع بعد ما بينهما.
(٢) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٩/ ١٨١: والقول الأول: أنه يوم بدر أولى بتأويل الآية، لأنه لا وجه لأن يقال: لا يزالون في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة، أو تأتيهم الساعة، وذلك أن الساعة هي يوم القيامة، فإن كان اليوم العقيم أيضا هو يوم القيامة، فإنما معناه تكرير الساعة مرتين، باختلاف الألفاظ، وذلك لا معنى له فأولى التأولين أصحهما معنى، وهو ما ذكرنا. فتأويل الكلام: أو يأتيهم عذاب يوم عقيم لهم، فلا ينظر وافيه إلى الليل، ولا يؤخروا فيه إلى المساء لكنهم يقتلون قبل المساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>