للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجواب: أنا إِن قلنا: إِن الحق النبوة، فالإِشارة ب «هذه» إِلى الدنيا، فيكون المعنى: وجاءك في هذه الدنيا النبوة، فيرتفع الإِشكال. وإِن قلنا: إِنها السورة، فعنه أربعة أجوبة:

أحدها: أن المراد بالحق البيان، وهذه السورة جمعت من تبيين إِهلاك الأمم، وشرح مآلهم، ما لم يجمع غيرها، فبان أثر التخصيص، وهذا مذهب بعض المفسرين. والثاني: أن بعض الحق أوكد من بعض في ظهوره عندنا وخفائه علينا، ولهذا يقول الناس: فلان في الحق إذا كان في الموت، وإِن لم يكن قبله في باطل، ولكن لتعظيم ما هو فيه، فكأن الحق المبين في هذه السورة أجلى من غيره، وهذا مذهب الزجاج. والثالث: أنه خص هذه السورة بذلك لبيان فضلها، وإِن كان في غيرها حق أيضاً، فهو كقوله عزّ وجلّ: وَالصَّلاةِ الْوُسْطى «١» ، وقوله عزّ وجلّ: وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ «٢» ، وهذا مذهب ابن الأنباري. والرابع: أن المعنى: وجاءك في هذه السورة الحق مع ما جاءك من سائر السور، قاله ابن جرير الطبري.

قوله تعالى: وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ أي: يتعظون إِذا سمعوا هذه السورة وما نزل بالأمم فتلين قلوبهم.

[سورة هود (١١) : الآيات ١٢١ الى ١٢٢]

وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢)

قوله تعالى: وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ هذا تهديد ووعيد، والمعنى: اعملوا ما أنتم عاملون فستعلمون عاقبة أمركم وَانْتَظِرُوا ما يِعدكم الشيطان إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ما يعِدنا ربنا.

(فصل:) قال المفسرون: وهذه الآية اقتضت تركهم على أعمالهم، والاقتناع بإنذارهم، وهي منسوخة بآية السيف. واعلم أنه إِذا قلنا: إِن المراد بالآية التّهديد، لم يتوجّه نسخ.

[[سورة هود (١١) : آية ١٢٣]]

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣)

قوله تعالى: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: علم ما غاب عن العباد فيهما. وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ قرأ نافع، وحفص عن عاصم «يُرجع الأمر كله» بضم الياء. وقرأ الباقون، وأبو بكر عن عاصم «يَرجع» بفتح الياء، والمعنى: إِن كل الأمور ترجع إِليه في المعاد. فَاعْبُدْهُ أي: وحِّده. وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ أي: ثِقْ به. وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ قرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم «تعلمون» بالتاء. وقرأ الباقون بالياء. قال أبو علي: فمن قرأ بالتاء، فالمعنى: قل لهم: وما ربك بغافل عما تعملون. ومن قرأ بالياء، فالخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولجميع الخلق مؤمِنهم وكافِرهم، فهو أعم من التاء، وهذا وعيد، والمعنى: إِنه يجزي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. قال كعب: خاتمة التوراة خاتمة «هود» .


(١) سورة البقرة: ٢٣٨.
(٢) سورة البقرة: ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>