للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى وَالَّذانِ يَأْتِيانِها للبكرين، فنسخ حكمها بالجلد، ونسخ حكم الثيّب من النساء بالرجم «١» .

وقال قوم: يحتمل أن يكون النسخ وقع بقرآن، ثم رفع رسمه، وبقي حكمه. لأن في حديث عبادة «قد جعل الله لهن سبيلا» والظاهر: أنه جعل بوحي لم تستقر تلاوته. قال القاضي أبو يعلى: وهذا وجه صحيح، يخرج على قول من لم ينسخ القرآن بالسنة. قال: ويمتنع أن يقع النسخ بحديث عبادة، لأنه من أخبار الآحاد، والنسخ لا يجوز بذلك.

[[سورة النساء (٤) : آية ١٧]]

إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧)

قوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ قال الحسن: إِنما التوبة التي يقبلها الله. فأما «السوء» ، فهو المعاصي، سمي سوءاً لسوء عاقبته.

قوله تعالى: بِجَهالَةٍ قال مجاهد: كل عاصٍ فهو جاهل حين معصيته. وقال الحسن، وعطاء، وقتادة، والسدي في آخرين: إنما سُمّوا جهالاً لمعاصيهم، لا أنهم غير مُميّزين.

وقال الزجاج: ليس معنى الآية أنهم يجهلون أنه سوء، لأن المسلم لو أتى ما يجهله، كان كمن لم يوقع سوءاً، وإنما يحتمل أمرين: أحدهما: أنهم عملوه، وهم يجهلون المكروه فيه. والثاني: أنهم أقدموا على بصيرة وعلم بأن عاقبته مكروهة، وآثروا العاجل على الآجل، فسموا جُهَّالاً، لإِيثارهم القليل على الرّاحة الكثيرة، والعاقبة الدّائمة.


(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ١/ ٤٧٢: كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة حبست في بيت فلا تمكن من الخروج إلى أن تموت والسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك. قال ابن عباس رضي الله عنه: كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد أو الرجم.
وقال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» ٥/ ٨٣- ٨٤: قوله تعالى (فآذوهما) قال قتادة والسدي معناه التوبيخ والتعبير وقالت فرقة: هو السب والجفاء دون تعيير. ابن عباس: النيل باللسان والضرب بالنعال قال النحاس:
وزعم قوم أنه منسوخ. قلت: رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: (واللاتي يأتين الفاحشة) و (اللذان يأتيانها) كان في أول الأمر فنسختهما الآية التي في النور وقيل وهو أولى: إنه ليس بمنسوخ، وأنه واجب أن يؤدبا بالتوبيخ فيقال لهما: فجرتما وفسقتما وخالفتما أمر الله عز وجل.
واختلف العلماء أيضا في القول بمقتضى حديث عبادة الذي هو بيان لأحكام الزناة فقال بمقتضاه علي بن أبي طالب لا اختلاف عنه في ذلك، وأنه جلد شراحة الهمدانية مائة ورجمها بعد ذلك، وقال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقال بهذا القول الحسن البصري والحسن بن صالح بن حي وإسحاق وقال جماعة من العلماء: بل على الثيب الرجم بلا جلد وهذا يروى عن عمر وهو قول الزهري والنخعي ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد وأبي ثور، متماسكين بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم رجم ماعزا والغامدية ولم يجلدهما وبقوله عليه السّلام لأنيس: «اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» ولم يذكر الجلد، فهو لو كان مشروعا لما سكت عنه. قيل لهم: إنما سكت عنه، لأنه ثابت بكتاب الله تعالى، فليس يمتنع أن يسكت عنه لشهرته والتنصيص عليه في القرآن، لأن قوله تعالى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ يعم جميع الزناة والله أعلم. ويبين هذا فعل علي بأخذه عن الخلفاء رضي الله عنهم ولم ينكر عليه فقيل له:
عملت بالمنسوخ وتركت الناسخ. وهذا واضح.

<<  <  ج: ص:  >  >>