للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي جوابها اللام، تقول: لولا عبد الله لضربتك. وقال ابن قتيبة: إِذا رأيتها بغير جواب، فهي بمعنى «هلاّ» ، تقول: لولا فعلت كذا، ومثلها «لوما» ، فاذا رأيت ل «لولا» جواباً، فليست بمعنى «هلاّ» ، إِنما هي التي تكون لأمر يقع بوقوع غيره، كقوله تعالى: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ «١» . قلت: فأما «لولا» التي لها جوابٌ فكثيرة في الكلام، وأنشدوا في ذلك:

لولا الحياءُ وأن رأسي قد عثا ... فيه المشيب لزرت امَّ القاسم «٢»

وأما التي بمعنى «هلاّ» فأنشدوا منها:

تعدّون عقر النّيب أفضَلَ مجدِكُم ... بني ضَوْطَرى لولا الكَميَّ المقنَّعا «٣»

أراد: فهلاّ تعدون الكمي، والكمي: الداخل في السّلاح.

وفي الأجل القريب قولان: أحدهما: أنه الموت، فكأنهم قالوا: هلاّ تركتنا نموت موتاً، وعافيتنا من القتل، هذا قول السدي، ومقاتل. والثاني: أنه إِمهال زمان، فكأنهم قالوا: هلاّ أخرت فرض الجهاد عنّا قليلاً حتى نكثر ونقوى، قاله أبو سليمان الدمشقي في آخرين.

قوله تعالى: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ أي: مدّة الحياة فيها قليلة.

قوله تعالى: وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا قرأ ابن كثير، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: ولا يظلمون بالياء. وقرأ نافع، وأبو عمرو، وعاصم: بالتاء، وقد سبق ذكر المتاع والفتيل.

[[سورة النساء (٤) : آية ٧٨]]

أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨)

قوله تعالى: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ. سبب نزولها أن المنافقين قالوا في حقّ شهداء أُحُد:

لو كانوا عندنا ما ماتوا، وما قتلوا، فنزلت هذه الآية، هذا قول ابن عباس «٤» ، ومقاتل. والبروج:

الحصون، قاله ابن عباس وابن قتيبة. وفي «المشيّدة» خمسة أقوال «٥» : أحدها: أنها الحصينة، قاله ابن عباس، وقتادة. والثاني: المطولة، قاله أبو مالك، ومقاتل، وابن قتيبة. والثالث: المجصّصة، قاله


(١) سورة الصافات: ١٤٣- ١٤٤. [.....]
(٢) البيت لعدي بن الرقاع وفي «اللسان» عثا فيه المشيب: أفسده أشد الإفساد.
(٣) البيت لجرير بن عطية كما في «الخزانة» ١/ ٤٦١ وقوله: عقر النبيب، عقر الناقة المسنّة: ضرب قوائمها فقطعها. وفي حديث ابن عباس: «لا تأكلوا من تعاقر الأعراب فإني لا آمن أن يكون مما أهل به لغير الله» . هو عقرهم الإبل كان يتبارى الرجلان في الجود والسخاء، فيعقر هذا إبلا ويعقر هذا إبلا حتى يعجز أحدهما الآخر. وقوله: «بني ضوطرى» يعني: يا بني الحمقى، ويقال للقوم إذا كانوا لا يغنون غناء: بنو ضوطرى.
والكمي: الشجاع الذي لا يرهب، والمقنع: على رأسه البيضة والمغفر.
(٤) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٣٤٠ برواية أبي صالح عن ابن عباس، وأبو صالح وعنه الكلبي رويا تفسيرا مصنوعا عن ابن عباس. فالإسناد ساقط، وإن كان ظاهر الآية يدل على أن المراد بذلك المنافقون.
(٥) قال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» ٥/ ٢٧١: واختلف العلماء وأهل التأويل في المراد بهذه البروج، فقال الأكثر وهو الأصح: إنه أراد البروج في الحصون التي في الأرض المبنية، لأنها غاية البشر في التحصّن والمنعة، فمثّل الله لهم بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>