أحدها: وما كان الله معذِّب المشركين، وفيهم من قد سبق له أن يؤمن رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، واختاره الزجاج. والثاني: وما كان الله معذِّبَهم وهم يستغفرون الله، فانهم كانوا يلّبون ويقولون: غفرانك وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً، وفيه ضعف، لأن استغفار المشرك لا أثر له في القبول. والثالث: وما كان الله معذِّبَهم، يعني المشركين، وهم- يعني المؤمنين الذين بينهم- يستغفرون روي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال الضّحّاك، وابن مالك. قال ابن الأنباري: وُصفوا بصفة بعضهم، لأن المؤمنين بين أظهرهم، فأوقع العموم على الخصوص، كما يقال: قتل أهل المسجد رجلاً، وأخذ أهل البصرة فلاناً، ولعله لم يفعل ذلك إلا رجل واحد. والرابع: وما كان الله معذِّبهم وفي أصلابهم مَن يستغفر الله، قاله مجاهد. قال ابن الأنباري: فيكون معنى تعذيبهم: إهلاكهم فالمعنى:
وما كان الله مهلكهم، وقد سبق في علمه أنه يكون لهم أولاد يؤمنون به ويستغفرونه فوصفهم بصفة ذراريهم، وغُلِّبوا عليهم كما غُلِّب بعضهم على كلهم في الجواب الذي قبله. والخامس: أن المعنى لو استغفروا لما عذَّبهم الله، ولكنهم لم يستغفروا فاستحقُّوا العذاب وهذا كما تقول العرب: ما كنت لأهينَك وأنت تكرمني يريدون: ما كنت لأهينك لو أكرمتني، فأما إذ لست تكرمني، فانك مستحقٌّ لإهانتي، وإلى هذا القول ذهب قتادة والسدي. قال ابن الأنباري: وهو اختيار اللغويين. وذكر المفسرون في معنى هذا الاستغفار ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الاستغفار المعروف وقد ذكرناه عن ابن عباس. والثاني: أنه بمعنى الصلاة، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، ومنصور عن مجاهد، وبه قال الضحاك. والثالث: أنه بمعنى الإِسلام رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، وبه قال عكرمة.
قوله تعالى: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ هذه الآية أجازت تعذيبهم، والأُولى نفت ذلك. وهل المراد بهذا: العذابُ الاولُ، أم لا؟ فيه قولان: أحدهما: أنه هو الأول، إلا أن الأول امتنع بشيئين:
أحدهما: كون النبي صلى الله عليه وسلم فيهم. والثاني: كون المؤمنين المستغفرين بينهم فلما وقع التمييز بالهجرة، وقع العذاب بالباقين يوم بدر، وقيل: بل وقع بفتح مكة. والثاني: أنهما مختلفان، وفي ذلك قولان: