للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن العذاب الثاني قَتْلُ بعضِهم يوم بدر، والأول استئصال الكُلِّ، فلم يقع الأول لِما قد عُلم من إيمان بعضهم، وإسلام بعضِ ذراريهم، ووقع الثاني. والثاني: أن العذاب الأول عذاب الدنيا. والثاني:

عذاب الآخرة، قاله ابن عباس، فيكون المعنى: وما كان اللهُ معذِّبَ المشركين لاستغفارهم في الدنيا، وما لهم ألا يعذبهم الله في الآخرة.

قوله تعالى: وَهُمْ يَصُدُّونَ قال الزجاج: المعنى وهم يصدون عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أولياءَه. وفي هاء الكناية في قوله تعالى: وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ قولان: أحدهما: أنها ترجع إلى «المسجد الحرام» ، وهو قول الجمهور. قال الحسن: إن المشركين قالوا: نحن أولياء المسجد الحرام، فرد الله عليهم بهذا. والثاني: أنها تعود إلى الله عزّ وجلّ، ذكره أبو سليمان الدمشقي.

قوله تعالى: إِنْ أَوْلِياؤُهُ أي: ما أولياؤه إِلَّا الْمُتَّقُونَ للشرك والمعاصي، ولكنَّ أكثر أهل مكة لا يعلمون من الأولى ببيت الله.

[[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٥]]

وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥)

قوله تعالى: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ.

(٦٤٠) سبب نزولها أنهم كانوا يطوفون بالبيت ويصفِّقون ويَصْفِرُون ويضعون خدودهم بالأرض، فنزلت هذه الآية قاله ابن عمر.

فأما المكاء، ففيه قولان: أحدهما: أنه الصَّفير، قاله ابن عمر وابن عباس وابن جبير وقتادة وأبو عبيدة والزجاج وابن قتيبة. قال ابن فارس: يقال: مكا الطائر يمكو مُكاءً: إذا صَفَر، ويقال: مَكِيَتْ يده تَمكى مَكىً، مقصور، أي: غلُظت وخشُنت، ويقال: تمكّى: إذا توضّأ. وأنشدوا:

كالمُتَمَكِّي بدمِ القتيلِ «١»

وسئل أبو سلمة بن عبد الرحمن عن المكاء، فجمع كفَّيِه، وجعل يَصْفِر فيهما. والثاني: أنه إدخال أصابعهم في أفواههم يخلطون به وبالتّصدية على محمّد صلى الله عليه وسلم صلاتَه، قاله مجاهد. قال ابن الأنباري: أهل اللغة ينكرون أن يكون المكاء إدخالَ الأصابع في الأفواه، وقالوا: لا يكون إلا الصفير.

وفي التصدية قولان: أحدهما: أنها التَّصفيق، قاله ابن عمر، وابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والجمهور. قال ابن قتيبة: يقال صدَّى: إذا صفَّق بيديه. قال الراجز:

ضنَّت بخَدٍّ وجَلَت ْعَن خَدِّ ... وأنا مِنْ غَرْوِ الهوى أُصَدِّي «٢»

الغرو: العجب، يقال: لا غرو من كذا، أي: لا عجب. والثاني: أن التصدية: صدُّهم الناس عن البيت الحرام، قاله سعيد بن جبير: وقال ابن زيد: وهو صدّهم عن سبيل الله ودينه.


أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» ٤٨٠ من طريق عطية العوفي عن ابن عمر، وعطية ضعيف، لكن للخبر شواهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>