للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: إِنك كلمتني في إِنسان ما أراه يموت أبداً، ولا أجده يموت إِلا عند مطلع الشمس، قال: إِني أتيتك وتركته هناك، قال: انطلق، فما أراك تجده إلّا ميتا، فو الله ما بقي من أجله شيء، فرجع الملك فرآه ميتاً «١» . وهذا المعنى مروي عن ابن عباس وكعب في آخرين. فهذا القول والذي قبله يدلاّن على أنه ميت، والقول الأول يدلّ على أنه حيّ.

[سورة مريم (١٩) : الآيات ٥٨ الى ٦٥]

أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢)

تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣) وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥)

قوله تعالى: أُولئِكَ يعني الذين ذكرهم من الأنبياء في هذه السورة مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ يعني إِدريس وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ يعني إِبراهيم، لأنه من ولد سام بن نوح وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ يريد: إِسماعيل وإِسحاق ويعقوب وَإِسْرائِيلَ يعني ومن ذرية إِسرائيل وهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى.

قوله تعالى: وَمِمَّنْ هَدَيْنا أي: وهؤلاء كانوا ممن أرشَدْنا، وَاجْتَبَيْنا أي: واصطَفَيْنا. قوله تعالى:

خَرُّوا سُجَّداً قال الزجاج: «سُجَّداً» حال مقدَّرة، المعنى: خرُّوا مقدِّرين السجود، لأن الإِنسان في حال خروره لا يكون ساجداً، ف «سُجَّداً» منصوب على الحال، وهو جمع ساجد وَبُكِيًّا معطوف عليه، وهو جمع باكٍ فقد بيَّن الله تعالى أن الأنبياء كانوا إِذا سمعوا آيات الله سجدوا وبَكَوْا من خشية الله.

قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ قد شرحناه في سورة الأعراف «٢» . وفي المراد بهذا الخَلْف ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم اليهود، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثاني: اليهود والنصارى، قاله السدي. والثالث: أنهم من هذه الأُمَّة، يأتون عند ذهاب صالحي أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم يتبارون بالزّنا، وينزو بعضهم على بعض في الأزقّة زناة، قاله مجاهد، وقتادة. قوله تعالى: أَضاعُوا الصَّلاةَ وقرأ ابن مسعود، وأبو رزين العقيلي، والحسن البصري: «الصلوات» على الجمع. وفي المراد باضاعتهم إِياها قولان «٣» : أحدهما: أنهم أخَّروها عن وقتها، قاله ابن مسعود، والنّخعيّ، وعمرو بن عبد العزيز،


(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ١٦٠: هذا من أخبار كعب الأحبار الإسرائيليات، وفي بعضه نكارة، والله أعلم.
(٢) سورة الأعراف: ١٦٩.
(٣) قال الطبري رحمه الله ٨/ ٣٥٥: وأولى التأولين في ذلك عندي بالصواب بتأويل الآية، قول من قال: إضاعتها تركهم إياها، لدلالة قوله تعالى ذكره بعده على ذلك كذلك، وذلك قوله: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فلو كان الذين وصفهم بأنهم ضيعوها مؤمنين لم يستثن منهم من آمن وهم مؤمنون، ولكنهم كانوا كفارا لا يصلون لله ولا يؤدون له فريضة.
وقد قيل: هم قوم من هذه الأمة يكونون في آخر الزمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>