للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن قال: هي الفجر، فقال عكرمة: هي وسط بين الليل والنهار، وكذلك قال ابن الأنباري: هي وسط بين الليل والنهار، وقال: وسمعت أبا العباس يعني، ثعلباً يقول: النهار عند العرب أوله: طلوع الشمس. قال ابن الأنباري: فعلى هذا صلاة الصبح من صلاة الليل، قال: وقال آخرون: بل هي من صلاة النهار، لأن أول وقتها أول وقت الصوم. قال: والصواب عندنا أن نقول: الليل المحض خاتمته طلوع الفجر، والنهار المحض أوله: طلوع الشمس، والذي بين طلوع الفجر، وطلوع الشمس يجوز أن يسمى نهاراً، ويجوز أن يسمى ليلاً، لما يوجد فيه من الظلمة والضوء، فهذا قول يصح به المذهبان.

قال ابن الأنباري: ومن قال: هي الظهر، قال: هي وسط النهار، فأما من قال: هي المغرب، فاحتج بأن أول صلاة فرضت، الظهر، فصارت المغرب وسطى، ومن قال: هي العشاء، فإنه يقول: هي بين صلاتين لا تقصران. قوله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ، المراد بالقيام هاهنا: القيام في الصلاة، فأما القنوت، فقد شرحناه فيما تقدم. وفي المراد به هاهنا ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الطاعة، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وابن جبير، والشّعبيّ، وطاوس، والضحاك، وقتادة في آخرين. والثاني: أنه طول القيام في الصلاة، روي عن ابن عمر، والربيع بن أنس، وعن عطاء كالقولين. والثالث: أنه الإمساك عن الكلام في الصلاة.


قال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام.

[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٩]
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (٢٣٩)
قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا، أي: خفتم عدواً، فصلوا رجالاً، وهو جمع راجل، والركبان جمع راكب، وهذا يدل على تأكيد أمر الصلاة، لأنه أمر بفعلها على كل حال. وقيل: إن هذه الآية أنزلت بعد التي في سورة النساء، لأن الله تعالى وصف لهم صلاة الخوف في قوله: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ «١» ، ثم أنزل هذه الآية: فَإِنْ خِفْتُمْ، أي: خوفاً أشد من ذلك، فصلوا عند المسايفة كيف قدرتم. فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية، وبين:
(١٢٧) ما روى ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه صلى يوم الخندق الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بعد ما غاب الشّفق؟ فالجواب:
(١٢٦) صحيح. أخرجه البخاري ٤٥٣٤ ومسلم ٥٣٩ وأبو داود ٩٤٩ والترمذي ٢٩٨٦ و ٥٥٢٤ والنسائي ٣/ ١٨ وابن خزيمة ٨٥٦ وابن حبان ٢٢٤٥ و ٢٢٤٦ و ٢٢٥٠ والطبري ٥٥٢٧ والطبراني ٥٠٦٣ و ٥٠٦٤ والبيهقي ٢/ ٢٤٨ من حديث زيد بن الأرقم.
لم أره من حديث ابن عباس، ولعله سبق قلم، وإنما هو من حديث ابن مسعود. كذا أخرجه الترمذي ١٧٩ والنسائي ١/ ٢٩٧ و ٢/ ١٧ والطيالسي ٣٣٣ وأحمد ١/ ٤٢٣ والبيهقي ١/ ٤٠٣ كلهم من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: «كنا في غزوة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحبسنا المشركون عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فلما انصرف المشركون أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مناديا، فأقام لصلاة الظهر ... » الحديث.
إسناده ضعيف، لانقطاعه بين أبي عبيدة وأبيه. قال الترمذي: إسناده ليس به بأس، إلّا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. قلت: وليس فيه لفظ بعد ما غربت، وإنما جاءت هذه اللفظة في حديث جابر، لكن في هذا الأخير أن صلاة العصر فقط هي التي فاتته. كذا أخرجه البخاري ٥٩٦ و ٥٩٨ ومسلم ٦٤١ وغيرهما. وكذا ورد لفظ «حتى غربت» في حديث أبي سعيد، وهو الآتي.
- الخلاصة: حديث ابن مسعود ضعيف الإسناد، إلّا أن أصله محفوظ بشاهده الآتي عن أبي سعيد، فهو يشهد له في كونه عليه الصّلاة والسّلام فاتته أربع صلوات، ويعارضه، بأن فيه «قبل نزول الآية» .
صحيح. أخرجه الشافعي في «السنن» ١ و «الأم» ١/ ٧٥ وأحمد ٣/ ٦٧- ٦٨ والدارمي ١/ ٣٥٨ والنسائي ٢/ ١٧ وابن حبان ٢٨٩٠ والبيهقي ١/ ٤٠٣ كلهم من حديث أبي سعيد قال: «شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس، وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل، فأنزل الله عزّ وجلّ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلالا، فأقام لصلاة الظهر ... » الحديث. إسناده صحيح على شرط مسلم. وكذا صححه ابن السكن، ووافقه الحافظ في «تلخيص الحبير» ١/ ١٩٥. وقال السيوطي في «شرح سنن النسائي» ٢/ ١٨: قال ابن سيد الناس: هذا إسناد صحيح جليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>