[[سورة آل عمران (٣) : آية ٣٦]]
فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦)
قوله تعالى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ، قرأ ابن عامر، وعاصم إلا حفصاً ويعقوب (بما وضعْتُ) بإسكان العين، وضم التاء. وقرأ الباقون بفتح العين، وجزم التاء، قال ابن قتيبة: من قرأ بجزم التاء، وفتح العين، فيكون في الكلام تقديم وتأخير، وتقديره: إني وضعتها أُنثى، وليس الذكر كالأنثى، والله أعلم بما وضعت. ومن قرأ بضم التاء، فهو كلام متصل من كلام أمّ مريم.
قوله تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى، من تمام اعتذارها، ومعناه: لا تصلح الأنثى لما يصلح له الذكر، من خدمته المسجد، والإقامة فيه، لما يلحق الأنثى من الحيض والنفاس. قال السدي: ظنت أن ما في بطنها غلام، فلما وضعت جارية، اعتذرت. ومريم: اسم أعجمي. وفي الرّجيم قولان:
أحدهما: أنه الملعون، قاله قتادة. والثاني: أنه المرجوم بالحجارة، كما تقول: قتيل بمعنى مقتول، قاله أبو عبيدة، فعلى هذا سُمي رجيماً، لأنه يرمى بالنّجوم.
[[سورة آل عمران (٣) : آية ٣٧]]
فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٧)
قوله تعالى: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ، وقرأ مجاهد (فتقبَّلْها) بسكون اللام «ربَّها» بنصب الباء (وأنبتها) بكسر الباء وسكون التاء على معنى الدعاء. قال الزجاج: الأصل في العربية: فتقبَّلها بتقبُّل حسن، ولكن «قبول» محمول على قبلها قبولاً يقال: قبلت الشيء قَبولاً، ويجوز قُبولا: إذا رضيته.
وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً، أي: جعل نشوءها نشوءاً حسناً، وجاء «نباتاً» على غير لفظ أنبت، على معنى:
نبتت نباتاً حسناً. وقال ابن الأنباري: لما كان «أنبت» يدل على نبت حمل الفعل على المعنى، فكأنه قال: وأنبتها، فنبتت هي نباتاً حسناً. قال امرؤ القيس:
فَصِرْنَا إِلى الحُسْنَى ورقَّ كَلامُنَا ... ورضتُ فذلَّت صعبةٌ أيَّ إِذلال
أراد: أي رياضة، فلما دل «رضت» على «أذللت» حمله على المعنى.
وللمفسرين في معنى النبات الحسن، قولان:
أحدهما: أنه كمال النشوء، قال ابن عباس: كان تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام.
والثاني: أنه ترك الخطايا، حدثنا أنها كانت لا تصيب الذنوب، كما يصيب بنو آدم.
قوله تعالى: وَكَفَّلَها، قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: «كفلها» بفتح الفاء خفيفة، و «زكرياء» مرفوع ممدود. وروى أبو بكر عن عاصم: تشديد الفاء، ونصب «زكرياء» ، وكان يمد «زكرياء» في كل القرآن في رواية أبي بكر. وروى حفص عن عاصم: تشديد الفاء و «زكريا» مقصور في كل القرآن. وكان حمزة والكسائي يشددان و «كفلها» ، ويقصران «زكريا» في كل القرآن. فأما «زكريا» فقال الفراء: فيه ثلاث لغات: أهل الحجاز يقولون: هذا زكريا قد جاء، مقصور، وزكرياء، ممدود، وأهل نجد يقولون: زكري، فيجرونه، ويلقون الألف. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي، عن ابن