للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٤١]]

وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١)

قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ فيه أربعة أقوال:

أحدها: أن المعروشات ما انبسط على وجه الأرض، فانتشر مما يعرَّش، كالكرم، والقرع، والبِطيخ وغير معروشات: ما قام على ساق، كالنخل، والزرع، وسائر الأشجار. والثاني: أن المعروشات: ما أنبته الناس وغير معروشات: ما خرج في البراري والجبال من الثمار، رويا عن ابن عباس. والثالث: أن المعروشات، وغير المعروشات: الكرم، منه ما عرش، ومنه ما لم يعرش، قاله الضحاك. والرابع: أن المعروشات: الكروم التي قد عُرّش عنبها، وغير المعروشات: سائر الشّجر الذي لا يعرّش، قاله أبو عبيدة.

والأُكُلُ: الثمر. وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً قد سبق تفسيره.

قوله تعالى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ هذا أمر إباحة وقيل: إنما قدَّم الأكل لينهى عن فعل الجاهلية في زروعهم من تحريم بعضها.

قوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ قرأ ابن عامر، وعاصم وأبو عمرو: بفتح الحاء، وهي لغة أهل نجد، وتميم. وقرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة، والكسائي: بكسرها، وهي لغة أهل الحجاز، ذكره الفراء. وفي المراد بهذا الحق قولان «١» : أحدهما: أنه الزكاة، روي عن أنس بن مالك، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والحسن، وطاوس، وجابر بن زيد، وابن الحنفية، وقتادة في آخرين فعلى هذا، الآية محكمة. والثاني: أنه حق غير الزكاةُ فرض يوم الحصاد، وهو إطعام من حضر، وترك ما سقط من الزرع والثمر، قاله عطاء ومجاهد.

وهل نُسخ ذلك، أم لا؟ إن قلنا: إنه أمر وجوب، فهو منسوخ بالزكاة وإن قلنا: إنه أمر استحباب، فهو باقي الحكم. فان قيل: هل يجب إيتاء الحق يوم الحصاد؟ فالجواب: إن قلنا: إنه


(١) قال الإمام ابن العربي في «أحكام القرآن» ٢/ ٢٨٢. الآية وَآتُوا حَقَّهُ: اختلف في تفسير هذا الحق على ثلاثة أقوال: الأول: أنه الصدقة المفروضة، قاله سعيد بن المسيب وغيره، ورواه ابن وهب وابن القاسم عن مالك في تفسير الآية. الثاني: أنها الصدقة في المفروضة تكون يوم الحصاد وعند الصرام وهي إطعام من حضر والإيتاء لمن غير قاله مجاهد. الثالث: أن هذا منسوخ بالزكاة قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير. وقد زعم قوم أن هذا اللفظ مجمل ولم يحصلوا القول فيه، وحقيقة الكلام عليه: أن قوله آتُوا مفسر، وقوله حَقَّهُ مفسر في المؤتى، مجمل في المقدار. وإنما يقع النظر في رفع الإشكال الذي أنشأه احتمال هذه الأقوال. وقد بينا فيما سبق وجه أنه ليس في الماء حق سوى الزكاة، وتحقيقه في القسم الثاني من علوم القرآن، وفي سورة البقرة من هذا التأليف، وثبت أن المراد بذلك ها هنا الصدقة المفروضة. وقد أفادت هذه الآية وجوب الزكاة فيما سمى الله سبحانه، وأفادت بيان ما يجب فيه من مخرجات الأرض التي أجملها الله في قوله وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [البقرة: ٢٦٧] وفسرها ها هنا، فكانت آية البقرة عامة في المخرج كله مجملة في القدر، فبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمر بأن يبين للناس ما نزل إليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>