للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نوح «آية» ، أي: علامة ليُعتبر بها، فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وأصله مُدتكِر، فأبدلت التاء دالاً على ما بيَّنّا في قوله: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ «١» . قال ابن قتيبة: أصله: مذْتَكِر، فأْدغمت التاء في الذال ثم قُلبت دالاً مشدَّدة. قال المفسرون: والمعنى: هل من متذكِّر يعتبر بذلك؟ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ وفي هذه السورة «ونُذُر» ستة مواضع، أثبت الياء فيهن في الحالين يعقوب، تابعه في الوصل ورش، والباقون بحذفها في الحالين. وقوله: «فكيف كان عذابي» استفهام عن تلك الحالة، ومعناه التعظيم لذلك العذاب. قال ابن قتيبة: والنُّذُر هاهنا جمع نذير، وهو بمعنى الإنذار، ومثله النَّكير بمعنى الإنكار. قال المفسرون: وهذا تخويف لمشركي مكة.

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ أي سهَّلْناه لِلذِّكْرِ أي للحِفظ والقراءة فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أي من ذاكرٍ يذكره ويقرؤه والمعنى: هو الحث على قراءته وتعلُّمه، قال سعيد بن جبير: ليس من كتب الله كتاب يُقرأ كُلُّه ظاهراً إلاّ القرآن. وأمّا الرِّيح الصَّرصر، فقد ذكرناها في حم السجدة «٢» .

قوله تعالى: فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ قرأ الحسن: «فِي يَوْمِ» بالتنوين، على أن اليوم منعوت بالنَّحْس. والمُستمِّر: الدائم الشؤم، استمر عليهم بنُحوسه. وقال ابن عباس: كانوا يتشاءمون بذلك اليوم. وقيل: إنه كان يومَ أربعاء في آخر الشهر. تَنْزِعُ النَّاسَ أي: تقلعهُم من الأرض من تحت أقدامهم فتصرعهم على رقابهم فتدُقّ رقابَهم فتُبِين الرّأسَ عن الجسد، ف كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ وقرأ أُبيُّ بن كعب، وابن السميفع: «أعْجُزُ نَخْلٍ» برفع الجيم من غير ألف بعد الجيم. وقرأ ابن مسعود، وأبو مجلز، وأبو عمران: «كأنَّهم عُجُز نخل» بضم العين والجيم. ومعنى الكلام: كأنهم أصول نَخلٍ مُنْقَعِرٍ أَي: مُنْقَلِع. وقال الفراء: المُنْقَعِر: المُنْصَرِع من النَّخْل. قال ابن قتيبة: يقال: قَعَرْتُه فانْقَعَر، أي قلعته فسقط. قال أبو عبيدة: والنَّخْل يُذَكَّر ويؤنَّث، فهذه الآية على لغة من ذكَّر، وقوله: أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ «٣» على لغة من أنَّث. وقال مقاتل: شبَّههم حين وقعوا من شِدَّة العذاب بالنَّخْل الساقطة التي لا رؤوس لها، وإنما شبَّههم بالنَّخْل لِطُولهم، وكان طول كل واحد منهم اثني عشر ذراعا.

[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٢٣ الى ٣٢]

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧)

وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٣٠) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢)

قوله تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ فيه قولان: أحدهما: أنه جمع نذير. وقد بيَّنّا أن من كذَّب نبيّاً واحداً فقد كذَّب الكُلَّ. والثاني: أن النُّذُر بمعنى الإنذار كما بيَّنّا في قوله: «فكيف كان عذابي ونُذُرِ» فكأنهم كذّبوا الإنذار الذي جاءهم به صالح، فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا قال الزجاج: هو منصوب بفعل مُضْمَر والذي ظهر تفسيره، المعنى: أنتبع بَشَراً مِنّا واحِداً، قال المفسرون: قالوا: هو آدميّ مثلنا، وهو


(١) يوسف: ٤٥.
(٢) فصلت: ١٦٠.
(٣) الحاقة: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>