للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ.

وفي الفاحشة قولان: أحدهما: أنها النشوز على الزوج، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وقتادة في جماعة. والثاني: الزنى، قاله الحسن، وعطاء، وعكرمة في جماعة.

قد روى معمر، عن عطاء الخراساني، قال: كانت المرأة إذا أصابت فاحشة، أخذ زوجها ما ساق إليها، وأخرجها، فنسخ ذلك بالحد. قال ابن جرير: وهذا القول ليس بصحيح، لأن الحد حق الله، والافتداء حق للزوج، وليس أحدهما مبطلاً للآخر، والصحيح: أنها إِذا أتت بأي فاحشةٍ كانت، من زنى الفرج، أو بذاءة اللسان، جاز له أن يعضلها، ويُضيِّق عليها حتى تفتدي. فأما قوله تعالى: مُبَيِّنَةٍ فقرأ ابن كثير، وأبو بكر، عن عاصم: «مُبيَّنة» ، و «آيات مبيَّنات» «١» بفتح الياء فيهما جميعاً. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص، عن عاصم: بكسر الياء فيهما، وقرأ نافع، وأبو عمرو «مبينة» كسراً و «آيات مبينات» فتحا. وقد سبق ذكر «العِشرة» .

قوله تعالى: فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً قال ابن عباس: ربما رزق الله منهما ولداً، فجعل الله في ولدها خيراً كثيراً. وقد نَدَبت الآية إِلى إِمساكِ المرأة مع الكراهة لها، ونبَّهت على معنيين:

أحدهما: أن الإِنسان لا يعلم وُجوهَ الصلاح، فرب مكروهٍ عاد محموداً، ومحمودٍ عاد مذموماً.

والثاني: أن الإِنسان لا يكاد يجد محبوباً ليس فيه ما يكره، فليصبِر على ما يكره لما يُحِبُ. وأنشدوا في هذا المعنى:

وَمَن لم يُغَمِّضْ عيْنَه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه يَمُتْ وهو عاتِبُ

ومن يتَتَبَّع جاهداً كل عَثْرَةٍ ... يجدها ولا يسلم له الدّهر صاحب

[[سورة النساء (٤) : آية ٢٠]]

وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢٠)

قوله تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ هذا الخطاب للرجال. والزوج: المرأة. وقد سبق ذكر «القنطار» في (آل عمران) .

قوله تعالى: فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً إنما ذلك في حق من وطئها، أو خلا بها، وقد بيّنَتْ ذلك الآية التي بعدها. قال القاضي أبو يعلى: وإنما خصّ النهي عن أخذ شيء مما أعطى بحال الاستبدال، وإن كان المنع عامّا، لئلّا يظنّ أنه لما عاد البضع إلى ملكها، وجب أن يسقط حقها من المهر، أو يظن ظان أن الثانية أولى بالمهر منها، لقيامها مقامها.

وفي البهتان قولان: أحدهما: أنه الظلم، قاله ابن عباس، وابن قتيبة. والثاني: الباطل، قاله الزجاج. ومعنى الكلام: أتأخذونه مباهتين آثمين.


(١) النور: ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>