والعليم، فهو يحفظ السّموات والأرض بما فيها لتبقى مدَّة بقائها، ويحفظ عباده من المَهالك، ويحفظ عليهم أعمالهم، ويعلم نيَّاتِهم، ويحفظ أولياءه عن مواقعة الذُّنوب، ويحرسُهم من مكايد الشيطان.
قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ المعنى: قل للكفار: ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهةٌ ليُنْعِموا عليكم بنِعْمة، أو يكشفوا عنكم بليَّة. ثم أخبر عنهم فقال: لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ أي: من خير وشرّ ونفع وضُرّ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ لم يشاركونا في شيء من خلقهما، وَما لَهُ أي: وما لله مِنْهُمْ أي: من الآلهة مِنْ ظَهِيرٍ أي: من مُعِين على شيء. وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر:«أُذِنَ له» بفتح الألف. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائيّ، «أُذِنَ له» برفع الألف، وعن عاصم كالقراءتين. أي: لا تنفع شفاعة مَلَك ولا نبيّ حتى يُؤْذَن له في الشفاعة، وقيل: حتى يؤذَن له فيمن يشفع. وفي هذا ردّ عليهم حين قالوا: إِن هذه الآلهة تشفع لنا. حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قرأ الأكثرون:«فُزِّعَ» بضم الفاء وكسر الزاي، قال ابن قتيبة: خُفِّفَ عنها الفَزَع. وقال الزجاج: معناه: كُشِف الفَزَع عن قلوبهم. وقرأ ابن عامر، ويعقوب، وأبان:«فَزَعَ» بفتح الفاء والزاي، والفعل لله عزّ وجلّ. وقرأ الحسن، وقتادة، وابن يعمر:«فرغ» بالراء غير معجمة، وبالغين معجمة، وهو بمعنى الأول، لأنها فرغت من الفزع. وقال غيره بل فرغت من الشك والشِّرك. وفي المشار إِليهم قولان «١» :
أحدهما: أنهم الملائكة وقد دلَّ الكلام على أنهم يفزعون لأمر يطرأ عليهم من أمر الله ولم يذكره في الآية، لأن إِخراج الفزع يدل على حصوله وفي سبب فَزَعهم قولان: أحدهما: أنهم يفزعون لسماع كلام الله تعالى. وروى عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال:
(١١٨٣) «إِذا تكلَّم اللهُ بالوحي سمع أهلُ السماء صلصلةً كجرِّ السلسلة على الصفا، فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيَهم جبريل، فاذا جاءهم جبريل فزِّع عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل، ماذا
حسن بشواهده. أخرجه أبو داود ٤٧٣٨ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ١٤٥ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٤٣٤ وابن حبان ٣٧، ورجاله ثقات معروفون. وأخرجه موقوفا ابن خزيمة في التوحيد ص ١٤٦ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٤٣٢ كلاهما عن أبي معاوية به. وأخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» ص ٩٢، ٩٣ والخطيب في «تاريخ بغداد» ١١/ ٣٩٣ وعبد الله بن أحمد في «السنة» ص ٧١ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ١٤٦- ١٤٧ من طرق عن الأعمش به موقوفا على عبد الله. وعلقه البخاري عن مسروق عن ابن مسعود موقوفا كما في «الفتح» ١٣/ ٤٥٢. ومع ذلك فمثله لا يقال بالرأي، ويشهد لأصله ما بعده.