للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أنه يوم القيامة أيضا، وهو قول الجمهور. والثاني: أنه عند الموت، قاله قتادة. وقرأ الحسن بخفض «الملائكة» . ووَ قُضِيَ الْأَمْرُ: فرغ منه. ووَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ، أي: تصير. قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم، «تُرجع» بضم التاء. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكَسائي بفتحها. فان قيل:

فكأن الأمور كانت إلى غيره؟ فعنه أربعة أجوبة: أحدها: أن المراد به إعلام الخلق أنه المجازي على الأعمال بالثواب والعقاب، قاله الزجاج. والثاني: أنه لما عَبَد قومٌ غيره، ونسبوا أفعاله إلى سواه، ثم انكشف الغطاء يوم القيامة ردوا إليه ما أضافوا إلى غيره. والثالث: أن العرب تقول: قد رجع عليَّ من فلان مكروه: إذا صار إليه منه مكروه، وإن لم يكن سبق. قال الشاعر:

فانْ تكنِ الأيَّامُ أحَسنَّ مرَةً ... إليّ فقد عادت لهنّ ذنوب

ذكرهما ابن الأنباري. ومما يشبه هذا قول لبيد:

وما المرء إِلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إِذ هو ساطع

أراد: يصير رمادا لا أنّه كان رمادا، ومثله قول أمية بن أبي الصلت:

تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا «١»

أي: صارا. والرابع: أنه لما كانت الأمور إليه قبل الخلق، ثم أوجدهم فملكهم بعضها رجعت إليه بعد هلاكهم. فإن قيل: قد جرى ذكر اسمه تعالى في قوله: أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ، فما الحكمة في أنه لم يقل: وإليه ترجع الأمور؟ فالجواب: أن إعادة اسمه أفخم وأعظم، والعرب إذا جرى ذكر شيء يفخم أعادوا لفظه، وأنشدوا:

لا أرى الموت يسبق الموت شيء ... نغص الموت ذا الغنى والفقيرا

فأعادوا ذكر الموت لفخامته في صدورهم، ذكره الزجّاج.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢١١]]

سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١)

قوله تعالى: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والمعنى: له وللمؤمنين. قال الفراء: أهل الحجاز يقولون: «سل» بغير همز، وبعض تميم يقولون: «اسأل» بالهمز، وبعضهم يقول: «إِسَلْ» «٢» بالألف وطرح الهمز، والأولى أغربهنَّ، وبها جاء الكتاب. وفي المراد بالسؤال قولان: أحدهما: أنه


(١) في اللسان: القعب: القدح الضخم.
(٢) قال القرطبي رحمه الله ٣/ ٢٩ و ٣٠: قوله تعالى: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ «سل» من السؤال بتخفيف الهمز، فلما تحركت السين لم يحتج إلى ألف الوصل. وقيل: إن للعرب في سقوط ألف الوصل في «سل» وثبوتها في «واسأل» وجهين: أحدهما- حذفها في إحداهما وثبوتها في الأخرى، وجاء القرآن بهما. فاتبع خط المصحف في إثباته للهمزة وإسقاطها. والوجه الثاني- أنه يختلف إثباتها وإسقاطها باختلاف الكلام المستعمل فيه فتحذف الهمزة في الكلام المبتدأ، مثل قوله: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ وقوله:
سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ [ن: ٤٠] وتثبت في العطف، مثل قوله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢] وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء: ٣٢] قاله علي بن عيسى. وقرأ أبو عمرو في رواية ابن عباس عنه «اسأل» على الأصل. وقرأ قوم «اسل» على نقل الحركة إلى السين وإبقاء ألف الوصل، على لغة من قال: الأحمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>