للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسناتهم، «وعن شمائلهم» من قِبل سيئاتهم، قاله ابن عباس وقتادة. والثاني: مثلُه، إلا أنهم جعلوا «من بين أيديهم» الدنيا، «ومن خلفهم» الآخرة، قاله النخعي، والحكم بن عتيبة. والثالث: مثل الثاني، إلا أنهم جعلوا «وعن أيمانهم» من قبل الحق أصدَّهم عنه، وَعَنْ شَمائِلِهِمْ من قبل الباطل أردُّهم إليه، قاله مجاهد، والسدي. والرابع: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ من سبيل الحق، وَمِنْ خَلْفِهِمْ من سبيل الباطل، وَعَنْ أَيْمانِهِمْ من قبل آخرتهم، «وعن شمائلهم» من أمر الدنيا، قاله أبو صالح. والخامس: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ «وعن أيمانهم» من حيث يبصرون، وَمِنْ خَلْفِهِمْ «وعن شمائلهم» من حيث لا يبصرون، نقل عن مجاهد أيضاً. والسادس: أن المعنى: لأتصرفن لهم في الإِضلال من جميع جهاتهم، قاله الزجاج، وأبو سليمان الدمشقي. فعلى هذا، يكون ذكر هذه الجهات، للمبالغة في التأكيد. والسابع: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ فيما بقي من أعمارهم، فلا يقدمون فيه على طاعة، «ومن خلفهم» فيما مضى من أعمارهم، فلا يتوبون فيه من معصية، وَعَنْ أَيْمانِهِمْ من قبل الغنى، فلا ينفقونه في مشكور، «وعن شمائلهم» من قبل الفقر، فلا يمتنعون فيه من محظور، قاله الماوردي. قوله تعالى: وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ فيه قولان:

أحدهما: موحِّدين، قاله ابن عباس. والثاني: شاكرين لنعمتك، قاله مقاتل. فان قيل: من أين علم إبليس ذلك؟ فقد أسلفنا الجواب عن هذا في سورة (النساء) .

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٨ الى ١٩]

قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨) وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩)

قوله تعالى: قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً وقرأ الأعمش: «مذوماً» بضم الذال من غير همز. قال الفراء:

الذَّأْمُ: الذَّمُّ يقال: ذأمْتُ الرجلَ، أذأَمُه ذأمْاً وذممتُه، أذُمُّه ذمّاً وذِمْتُه، أذيمُه ذيما ويقال: رجل مذءوم، ومذموم، ومَذيم، بمعنى. قال حسان بن ثابت:

وأقاموا حتى أبيروا جميعاً ... في مَقامٍ وكُلُّهم مذءوم «١»

قال ابن قتيبة: المذؤوم: المذموم بأبلغ الذم. والمدحور: المقصى المبعَد. وقال الزجاج: معنى المذؤوم كمعنى المذموم، والمدحور: المبعد من رحمة الله. واللام من «لأملأن» : لام القسم والكلام بمعنى الشرط والجزاء، كأنه قيل له: من تبعك، أُعذبْه، فدخلت اللام للمبالغة والتوكيد. فلام «لأملأن» هي لام القسم، ولام «لَمن تبعك» توطئة لها. فأما قوله: «منهم» فقال ابن الانباري: الهاء والميم عائدتان على ولد آدم لانه حين قال: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ «٢» كان مخاطباً لولد آدم، فرجع إليهم، فقال: لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فجعلهم غائبين، لأن مخاطبتهم في ذا الموضع توقع لَبْساً والعرب ترجع من الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى الخطاب. ومن قال: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ خطاب لآدم، قال: أعاد الهاء والميم على ولده، لأن ذكره يكفي من ذكرهم والعرب تكتفي بذكر الوالد من ذكر الأولاد إذا انكشف المعنى وزال اللبس. قال الشاعر:

أرى الخَطَفى بَذَّ الفرزدقُ شِعْرَهُ ... ولكنَّ خيراً من كليب مجاشع


(١) البيت منسوب إلى حسان بن ثابت «سيرة ابن هشام» ٢/ ١٥٠.
(٢) سورة الأعراف: ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>