للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي معنى مُطَهَّرَةٍ أربعة أقوال: أحدها: مطهرة من أن تنزل على المشركين، قاله الحسن.

والثاني: مطهرة من الشرك والكفر، قاله مقاتل: والثالث: لأنه لا يمسها إلا المطهرون، قاله الفراء.

والرابع: مطهرة من الدنس، قاله يحيى بن سلام.

قوله عزّ وجلّ: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ فيهم قولان: أحدهما: أنهم الملائكة، قاله الجمهور. والثاني:

أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلم، قاله وهب بن منبه.

وفي معنى «سفرة» ثلاثة أقوال «١» : أحدها: أنهم الكتَبَة، قاله ابن عباس، ومجاهد، وأبو عبيدة، وابن قتيبة: والزجاج. قال الزجاج: واحدهم: سَافر، وسَفَرَة، مثل كَاتِب وكَتَبَة، وكافِر، وكَفَرة، وإنما قيل للكتاب: سفر، وللكاتب: سافر، لأن معناه أنه يبين الشيء، ويوضحه. يقال: أسفر الصبح:

إذا أضاء. وسفرت المرأة: إذا كشفت النقاب عن وجهها. ومنه: سفرتُ بين القوم، أي: كشفتُ ما في قلب هذا، وقلب هذا، لأُصْلِحَ بينهم. والثاني: أنهم القراء، قاله قتادة. والثالث: أنهم السفراء، وهم المصلحون، قال الفراء: تقول العرب: سفرتُ بين القوم، أي: أصلحتُ بينهم، فجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله، كالسفير الذي يصلح بين القوم. قال الشاعر:

وَمَا أَدَعُ السِّفَارَةَ بَيْنَ قَوْمي ... وَمَا أَمشي بِغِشٍّ إنْ مَشَيْتُ

قوله عزّ وجلّ: كِرامٍ أي: على ربِّهم بَرَرَةٍ أي: مطيعين. قال الفراء: واحد «البررة» في قياس العربية: بَارٌّ، لأن العرب لا تقول: فَعَلَة ينوون به الجمع إلّا الواحد، ومنه فاعل، مثل كافر، وكفرة، وفاجر، وفجرة.

[سورة عبس (٨٠) : الآيات ١٧ الى ٣٢]

قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١)

ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (٢٣) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦)

فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١)

مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٢)

قوله عزّ وجلّ: قُتِلَ الْإِنْسانُ أي: لعن، والمراد بالإنسان هاهنا: الكافر.

وفيمن عنى بهذا القول ثلاثة أقوال: أحدها: أنه أشار إلى كل كافر، قاله مجاهد. والثاني: أنه أُمية بن خلف، قاله الضّحّاك. والثالث: عتبة بن لهب، قاله مقاتل.

وفي قوله عزّ وجلّ: ما أَكْفَرَهُ ثلاثة أقوال: أحدها: ما أشد كفره، قاله ابن جريج. والثاني: أي شيء أكفَره؟ قاله السدي. فعلى هذا يكون استفهام توبيخ. والثالث: أنه على جهة التعجُّب. وهذا التعجب يؤمر به الآدميون والمعنى: اعجبوا أنتم من كفره، قاله الزجاج.

قوله عزّ وجلّ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ثم فسّره عزّ وجلّ: مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ. وفي معنى «فقدره» ثلاثة أقوال: أحدها: قدّر أعضاء رأسه. وعينيه، ويديه، ورجليه، قاله ابن السائب. والثاني: قدَّره أطواراً:

نطفة، ثم علقة، إلى آخر خلقه، قاله مقاتل.


(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٥٥٦: قال ابن جرير: والصحيح أن السفرة الملائكة، والسفرة يعني بين الله وبين خلقه ومنه يقال: السفير: الذي يسعى بين الناس في الصلح والخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>